بناء دماغ
لكن ربما كان أكثر العلماء الذين اشتركوا في هذا البرنامج طموحا هو الدكتور هنري ماركرام من مدرسة الفنون التطبيقية الاتحادية في لوزان بسويسرا. فهو القوة الدافعة وراء مشروع الدماغ البشري، الذي تلقى أكثر من مليار دولار من المفوضية الأوروبية. أمضى ماركرام السبع عشرة سنة الأخيرة من حياته محاولا فك شفرة شبكة الدماغ العصبية. وهو أيضا يستخدم حاسوب البلوجين في الهندسة العكسية للدماغ. في الوقت الحالي، يستهلك مشروع الدماغ البشري التابع له فاتورة تصل إلى 140 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي، وهذا يمثل جزءا فقط من القدرة الحاسوبية التي يحتاج إليها في العقد المقبل.
يعتقد الدكتور باركرام أن هذا لم يعد مشروعا علميا فقط، لكنه عمل هندسي يتطلب كميات ضخمة من المال. يقول «لبناء هذا – الحاسبات الفائقة والبرمجيات والبحث – نحتاج إلى نحو مليار دولار. ليس هذا مكلفا عندما نأخذ بعين الاعتبار أن العبء العالمي الناجم عن الأمراض العقلية سيتجاوز 20 في المائة من الناتج العالمي الإجمالي قريبا». بالنسبة إليه، يبدو مليار دولار مبلغا تافها مقارنة بمئات المليارات من الدولارات الناجمة عن فواتير الألزهايمر والباركنسون والأمراض المماثلة الأخرى عندما يتقاعد جيل فترة ازدهار الولادات Baby Boomer.
لذا فالحل بالنسبة إلى الدكتور ماركرام يتعلق بالحجم. اصرف كمية أكبر من المال على المشروع، وسيظهر الدماغ البشري. والآن وقد ربح مكافأة المليار دولار من المفوضية الأوروبية، ربما يصبح حلمه حقيقة.
وعندما يسأل ما الذي سيحصل عليه دافع الضرائب العادي من استثمار المليار دولار في مشروعه فإن لديه جوابا جاهزا. يقول إن هناك ثلاثة أسباب للعمل في هذا المشروع الوحيد، لكن المكلف. أولا «من الضروري بالنسبة إلينا فهم الدماغ البشري إذا أردنا النجاح في المجتمع، وأعتقد أن هذا خطوة رئيسة على مسار التطور. السبب الثاني هو أنه لا يمكننا الاستمرار في التجريب على الحيوانات إلى الأبد... إن هذا المشروع مثل سفينة نوح. إنه مثل سجل. والسبب الثالث هو أن هناك مليارين من الأشخاص في العالم مصابون باضطراب عقلي...».
بالنسبة إليه، فإن معرفة القليل فقط حول الأمراض العقلية التي تسبب الكثير منَ المعاناة لملايين الناس هي أمر مشين. يقول: «لا أحد يعرف اليوم العطل فيما يخص أي مرض عصبي - أي ممر، وأي وصلة، وأي عصبون، وأي مستقبل. وهذا أمر مخجل».
ربما يبدو من المستحيل بادئ الأمر إتمام هذا المشروع، بهذا العدد الكبير من العصبونات وهذه الاتصالات كلها. تبدو مثل مسعى بلا جدوى، لكن هؤلاء العلماء يعتقدون أن لديهم ورقة رابحة.
يتألف الجينوم البشري من نحو ثلاثة وعشرين ألف جين، مع ذلك يمكنه بطريقة ما خلق الدماغ، والذي يتألف من مائة مليار عصبون. تبدو عملية خلق دماغ بشري من جيناتنا استحالة رياضية، مع ذلك فهي تتم كل مرة مع ولادة كل جنين. كيف يمكن لمثل هذه الكمية الهائلة من المعلومات أن تحشر ضمن شيء بهذا الصغر؟
الجواب، كما يعتقد الدكتور ماركرام، هو أن الطبيعة تختار الطرق الأقصر. المفتاح لمقاربته هو أن بعض نماذج العصبونات تكرر مرة بعد أخرى حالما تعثر الطبيعة الأم على نموذج جيد. لو نظرت إلى شرائح مجهرية للدماغ، لا ترى في البداية شيئا سوى شبكة فوضوية من العصبونات. لكن بالفحص الدقيق، تظهر أنماط لنماذج تتكرر مرة بعد أخرى.
(النماذج في الحقيقة هي أحد الأسباب التي جعلت تركيب ناطحات سحاب ضخمة بسرعة كبيرة أمرا ممكنا. لا يكاد يصمم نموذج واحد، حتى يصبح من الممكن تكراره إلى ما لا نهاية على خط تجميع. ثم يمكنك أن ترتبها بعضها فوق بعض لتخلق ناطحة سحاب. لا تكاد توقع الأوراق كلها حتى يمكن تركيب بناية شققية باستخدام الوحدات هذه في أشهر قليلة).
المفتاح لمشروع دماغ الدكتور ماركرام هو «عمود القشرة الجديدة،» وهو نموذج يتكرر مرة بعد مرة في الدماغ. في البشر، يحتوي كل عمود بطول يقارب 2 ملم بقطر ½ ملم ستين ألف عصبون. (كنقطة مقارنة، تحوي النماذج العصبية في الجرذ نحو عشرة آلاف عصبون فقط في كل منها). استغرق الأمر عشر سنوات، من العام 1995 حتى العام 2005 ، ليمسح الدكتور ماركرام العصبونات في عمود كهذا، وليعرف كيف يعمل. بمجرد أن فك شفرة هذا النموذج حتى ذهب إلى IBM ليخلق نسخا مكررة ضخمة منه.
إنه المتفائل الدائم. في العام 2009 ، في أحد مؤتمرات TED ، ّ ادعى أن بإمكانه إنهاء المشروع في عشرة أعوام (من المحتمل أن يكون هذا لنسخة مفككة من الدماغ البشري من دون أي وصلة مع الفصوص أو الحواس الأخرى). لكنه ادعى أننا «لو بنيناه بشكل صحيح، فيجب أن يتكلم، وأن يكون له ذكاء، وأن يتصرف مثل البشر».
الدكتور ماركرام مدافع ماهر عن عمله. لديه جواب لكل شيء. عندما يقول النقاد إنه يجوس في منطقة محرمة، يرد بقوله: «كعلماء، يجب ألا نخاف من الحقيقة. علينا أن نفهم أدمغتنا. من الطبيعي أن يعتقد الناس أن الدماغ مقدس، وأنه لا يجوز لنا التلاعب به لأنه ربما كان مستودع أسرار أرواحنا. لكنني أعتقد بإخلاص أنه لو فهم العالم كيف يعمل الدماغ، فسوف نحل النزاعات في كل مكان. لأن الناس سيدركون مدى تفاهة النزاعات والانفعالات وسوء التفاهمات وحتميتها والتحكم فيها».
عندما يواجه بنقد أخير بأنه «يلعب دور الإله» يقول: «أعتقد أننا بعيدون جدا عن لعب دور الإله. الله خلق الكون بكامله. نحن نحاول بناء نموذج صغير فقط».
مصطلحات هامة
Interface brain-machine IBM
ازدهار الولادات Baby Boomer
TED تيد: مؤسسة إعلامية غير ربحية تهدف إلى نشر الأفكار الجديدة في مختلف مجالات المعرفة البشرية من خلالُ مؤتمرها السنوي وأحاديث قصيرة يقدمها مختصون على الإنترنت. أسست في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1984.
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
0 تعليقات