هل يمكن للوعي أن يغادر جسمك؟
يعتقد بعض العلماء الذي فحصوا تجارب الاقتراب من الموت والخروج من الجسد أنها نواتج ثانوية للدماغ نفسه عندما يوضع تحت ظروف ضاغطة، وعندما تختل وصلاته. مع ذلك، هناك علماء آخرون يعتقدون أننا عندما تتطور تقنيتنا بشكل كاف بعد عدة عقود من الآن، فربما يمكن لوعي الشخص أن يغادر حقا جسمه. اقترحت عدة طرق مثيرة للجدل لذلك.
ُ قدم المخترع والمستقبلي الدكتور راي كورزويل، الذي يعتقد أن الوعي قد يحمل يوما ما على حاسوب فائق، إحدى الطرق. تحدثنا مرة في أحد المؤتمرات ، وأخبرني بأن ولعه بالحاسبات والذكاء الصنعي بدأ عندما كان في الخامسة من العمر، عندما اشترى له والداه أنواعا من اللعب والأجهزة الميكانيكية. كان يحب العبث بهذه الأجهزة، وحتى كطفل أدرك أنه سيصبح مخترعا. في جامعة MIT تلقى شهادة الدكتوراه تحت إشراف الدكتور مارفين مينسكي، أحد مؤسسي الذكاء الصنعي. بعدّ ذلك طبق تقنية تمييز الأنماط PRT على الأدوات الموسيقية وآلات تحويل النص إلى صوت. استطاع ترجمة أبحاث الذكاء الصنعي في هذه المجالات إلى سلسلةُ من الشركات. (باع شركته الأولى عندما كان في سن العشرين فقط). احتفي بقارئه البصري، الذي يستطيع التعرف على نص وتحويله إلى صوت، لأنه يساعد العميان، وحتى أن والتر كرونكايت ذكره في نشرة أخبار المساء.
لتكون مخترعا ناجحا، كما قال لي، عليك دوما أن تكون في الطليعة، وأن تتوقع التغيير، لا أن تستجيب له. بالفعل، يعشق الدكتور كورزويل التنبؤ، وقد عكس الكثير من تنبؤاته النمو الأسي الملحوظ للتقنية الرقمية. لقد تنبأ بالتالي:
بحلول العام 2019 ، ستكون لحاسوب شخصي ثمنه ألف دولار القدرة الحاسوبية نفسها للدماغ البشري – عشرون مليون مليار عملية حسابية في الثانية. (تم الحصول على هذا الرقم بأخذ مائة مليار عصبون للدماغ وضربها بألف وصلة للعصبون وبمائتي عملية حسابية في الثانية لكل وصلة).
بحلول العام 2029 ، سيكون حاسوب شخصي بثمن 1000 دولار أقوى بألف مرة من الدماغ البشري، وستنجز الهندسة العكسية للدماغ البشري نفسه بنجاح.
بحلول العام 2055 ، ستعادل القدرة الحاسوبية لحاسوب ثمنه 1000 دولار القدرة الحاسوبية للبشر جميعهم على سطح الكرة الأرضية . ( يضيف بتواضع «ربما كنت مخطئا بعام أو عامين»).
يبدو العام 2045 مهما بشكل خاص بالنسبة إلى الدكتور كورزويل، لأنه العام الذي يعتقد أن «المتفردة» singularity ستسيطر فيه. بحلول ذلك العام، كما يدعي، ستتفوق الآلات على البشر في الذكاء، وستكون قد خلقت الجيل التالي من الإنساليات الأذكى منها. وبما أن هذه العملية يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، فهذا يعني بحسب الدكتور كورزويل تسارعا لا ينتهي لقدرة الآلات. في هذا السيناريو علينا إما الاندماج في مخلوقاتنا، أو التنحي عن طريقها. (على الرغم من أن هذه المواعيد في المستقبل البعيد، فإنه يود العيش لفترة طويلة كافية لرؤية اليوم الذي يصبح فيه البشر خالدين، أي أنه يريد العيش فترة طويلة كافية كي يعيش إلى الأبد).
وكما نعلم من قانون مور، لا يمكن للقدرة الحاسوبية عند حد معين أن تتطور بصنع ترانزيستورات أصغر فأصغر. بحسب كورزويل، فالطريقة الوحيدة لتوسيع القدرة الحاسوبية هي في زيادة الحجم الكلي، وهذا سيترك الإنساليات تبحث عن قدرة حاسوبية أكبر بالتهام المواد الخام على الأرض. لا يكاد يصبح الكوكب حاسوبا ضخما، حتى تضطر الإنساليات إلى السفر إلى الفضاء الخارجي للبحث عن مصادر أكثر من القدرة الحاسوبية. في النهاية، ربما تستهلك قوة نجوم بأكملها.
سألته مرة ع ّما إذا كان هذا النمو الكوني للحاسبات سيغير الكون نفسه. نعم، أجاب. أخبرني بأنه يتطلع أحيانا إلى السماء في الليل، ويتساءل ع ّما إذا كانت كائنات ذكية على كوكب بعيد قد وصلت مسبقا إلى الحالة المنفردة. لو تم هذا فربما تركوا علامة ما على النجوم نفسها قد تكون مرئية للعين المجردة.
أحد المعوقات، كما أخبرني، هو سرعة الضوء. ما لم تستطع تلك الآلات كسر حاجز الضوء، فإن هذا النمو الأسي في الطاقة قد يصل إلى سقف معين. عندما يحدث هذا، يقول كورزويل، ربما سيغيرون قوانين الفيزياء نفسها.
أي شخص يدلي بتنبؤات بهذه الدقة والسعة يستدعي بالطبع النقد فورا، لكن لا يبدو أن هذا يردعه. يمكن للناس أن يجادلوا حول هذا التنبؤ أو ذاك بما أن كورزويل قد أخطأ في بعض مواعيده، لكنه مشغول بشكل أساسي بدفع أفكاره التي تتنبأ بنمو أسي للتقنية. ولنكون منصفين، فإن معظم الناس الذين يعملون في حقل الذكاء الصنعي الذين قابلتهم يوافقون على أن نوعا معينا من المتفردة سيحدث، لكنهم يختلفون بقوة حول موعد حدوثها، وكيف ستكون. على سبيل المثال يعتقد بيل غيتس المؤسس المشارك في مايكروسوفت أن لا أحد حيا الآن سيعيش ليرى اليوم الذي تصبح فيه الحاسبات ذكية بما يكفي للتفوق على البشر . ويقول كيفن كيلي محرر مجلة وايارد Wired « الناس الذين يتنبأون بمستقبل مثالي يتنبأون دوما بأنه سيحدث قبل أن يموتوا».
بالفعل، فإن أحد أهداف كورزويل العديدة هي إعادة والده للحياة. أو ربما يريد أن يخلق تمثيلا واقعيا له. هناك احتمالات عدة، لكنها كلها تبقى تخمينية جدا.
يقترح كورزويل إمكان استخلاص دنا من والده (من قبره أو من أقارب له أو من مواد عضوية خلفها وراءه). ضمن نحو ثلاثة وعشرين ألف جين، سيكون هناك مخطط كامل لإعادة خلق جسم ذلك الشخص. ثم يمكن إنشاء نسخة من الدنا.
هذا الأمر محتمل بالتأكيد. سألت مرة الدكتور روبرت لانزا من شركة التقنية المتقدمة للخلايا كيف أمكنه إعادة مخلوق ميت منذ فترة طويلة إلى الحياة، محرزا سبقا تاريخيا بهذه العملية. أخبرني أن حديقة حيوان سان دييغو طلبت منه أن يخلق نسخة من البانتغ (بقرة جاوة)، وهو مخلوق يشبه الثور مات منذ خمس وعشرين سنة . الجزء الصعب كان استخلاص خلية يمكن استعمالها للاستنساخ. لكنه نجح، ثم أخذ الخلية إلى مزرعة وزرعها في بقرة أنثى، ولدت بعد ذلك هذا الحيوان. على الرغم من عدم استنساخ أي من القردة العليا حتى الآن، فضلا عن إنسان، فإن لانزا يشعر بأنها مسألة تقنية، وأنها مسألة وقت فقط قبل أن يستنسخ شخص ما إنسانا.
مع ذلك، سيكون هذا هو الجزء السهل. ستكون النسخة معادلة جينيا للأصل لكنها من دون ذكرياته. ربما أمكن تحميل ذكريات صنعية إلى الدماغ باستخدام طرق رائدة وصفت في الفصل الخامس، مثل حشر مجسات في الحصين، أو خلق حصين صناعي، لكن والد كورزويل مات منذ فترة طويلة، لذا من المستحيل صنع التسجيل في المقام الأول. أفضل ما يمكن عمله هو تجميع البيانات التاريخية كلها حول ذلك الشخص قطعة قطعة، مثل مقابلة الآخرين الذين يمتلكون ذكريات مماثلة له، أو الحصول على عمليات حساباتهم المصرفية... إلخ، ثم إدخالها إلى البرنامج.
طريقة أكثر عملية لإدخال شخصية إنسان وذاكرته قد تكون بإنشاء سجل كبير من البيانات يحتوي على المعلومات المعروفة كلها عن عادات الشخص وحياته. على سبيل المثال، يمكنك اليوم تخزين رسائلك الإلكترونية وتحويلات بطاقتك الائتمانية وسجلاتك ومواعيدك ومذكراتك الإلكترونية وتاريخ حياتك كلها في سجل واحد، وهذا كله يمكنه أن يخلق صورة دقيقة جدا عنك. سيشكل هذا الملف «توقيعك الرقمي» بكامله، ممثلا كل شيء معروف عنك. سيكون دقيقا وشخصيا بدرجة ملحوظة، حيث يفصل أنواع الشراب التي تفضلها، وكيف تقضي عطلاتك، وما نوع المنظف الذي تستخدمه، ومطربك المفضل، وما إلى ذلك.
أيضا بواسطة استمارة أسئلة يمكن خلق تقريب جيد لشخصية والد كورزويل. وسيملأ أصدقاؤه وأقاربه وزملاؤه استمارة أسئلة تحوي عددا من الأسئلة حول شخصيته، مثل ما إذا كان خجولا أو فضوليا أو أمينا أو جادا في عمله... إلخ. ثم سيحددون رقما لكل مواصفة (مثلا : الرقم 10سيعني أنك أمين جدا). سيخلق هذا سلسلة من مئات الأرقام، بحيث يمثل كل رقم منها صفة معينة من الشخصية. ما إنُ ت ّجمع هذه المجموعة الواسعة من الأرقام، حتى يأخذ برنامج حاسوبي هذه البيانات، ويقارب كيف سيتصرف الشخص في أوضاع افتراضية. دعنا نفترض أنك تلقي خطابا وتواجه معلقا لاذعا. سيمسح البرنامج الحاسوبي الأرقام وسيتنبأ بعدد من ردود الفعل المحتملة (مثل تجاهل المعلق، أو التعليق عليه، أو الاشتباك معه). بعبارة أخرى، فإن شخصيته الرئيسة سوف تختزل في سلسلة طويلة من الأرقام، كل منها من 1 إلى 10 ، يمكن استخدامها من قبل حاسوب ليتنبأ كيف سيتصرف في ظروف جديدة.
النتيجة ستكون برنامجا حاسوبيا ضخما يستجيب لمواقف جديدة بطريقة مشابهة للطريقة التي يتصرف بها الشخص الأصلي، مع استخدام التعابير اللفظية نفسها، واستخدام الحيل نفسها، وكلها معدلة بحسب ذكريات ذلك الشخص.
احتمال آخر سيكون بالتخلي عن عملية الاستنساخ بأكملها، وببساطة بصنع إنسالي يشبه الشخص الأصلي. سيكون من البساطة عندئذ إدخال هذا البرنامج في جهاز ميكانيكي شبيه بك، ويتكلم باللهجة نفسها والطريقة نفسها، ويحرك ذراعيه ورجليه كما تفعل. وستكون عملية إضافة تعابيرك المفضلة (مثل «أنت تعلم»...) عملية سهلة أيضا.
بالطبع، من السهل اليوم اكتشاف أن هذا الإنسالي مزيف. لكن في العقود المقبلة ربما أمكن الاقتراب أكثر فأكثر من الأصل، بحيث يصبح الإنسالي جيدا إلى درجة قد تخدع بعض الناس.
لكن هذا يثير سؤالا فلسفيا. هل هذا «الشخص» هو حقا الشخص الأصلي نفسه؟ الأصلي مازال ميتا، لذا فإن المستنسخ أو الإنسالي مازال حرفيا مدعيا. ربما تعيد مسجلة، على سبيل المثال، إنتاج محادثة أجريناها بأمانة تامة، لكن هذه المسجلة بالتأكيد ليست الأصل. هل يمكن للمستنسخ أو الإنسالي اللذين يتصرفان مثل الأصل تماما أن يكونا بديلين شرعيين؟
مصطلحات هامة
المتفردة singularity
وايارد Wired
كرونكايت (2009 – 1916) كان أحد أكثر المذيعين الصحافيين شهرة وموثوقية في أمريكا.
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
0 تعليقات