مسوحات دماغ العارفين : مناطق عدة أكبر من المعتاد

مسوحات دماغ العارفين

بقي موضوع العارفين محاطا بالخرافات والحكايات. لكن الحقل بأكمله انقلب رأسا على عقب أخيرا مع تطور جهاز الرنين المغناطيسي  MRI ومسوحات الدماغ الأخرى.

لم يكن دماغ كيم بيك، على سبيل المثال، عاديا . أظهرت مسوحات MRI  أنه يفتقر إلى الحبل العصبي الذي يصل الجانب الأيسر من الدماغ بالجانب الأيمن، والذي ربما كان السبب في قدرته على قراءة صفحتين في الوقت نفسه. انعكست مهاراته الحركية الضعيفة بوجود مخيخ مشوه، وهو المنطقة التي تتحكم في التوازن. لسوء الحظ، لم تستطع مسوحات  MRI أن تظهر المصدر الأصلي لقدراته غير العادية وذاكرته الفوتوغرافية. لكن مسوحات الدماغ بصورة عامة أظهرت أن العديد من الذين يعانون متلازمة العارف المكتسبة اختبروا عطلا في الجانب الأيسر من أدمغتهم.

تركز الاهتمام بصورة خاصة على القشرتين الجانبية الداخلية اليسرى والجبهية الحجاجية. يعتقد البعض أن مهارات العارف كلها (من التوحد، والمكتسبة، والأسبيرغر) ربما تنشأ من عطل يصيب هذه البقعة الخاصة على الفص الجانبي الأيسر. يمكن لهذه المنطقة أن تعمل كـ «حساس» يثير أحيانا ذكريات غير مهمة. لكن بعد أن يحدث العطب لنصف الكرة الأيسر، يبدأ نصف الكرة الأيمن بالتحكم. الدماغ الأيمن أكثر دقة بكثير من الدماغ الأيسر، الذي غالبا ما يشوه الحقيقة ويخلطها. من المعتقد أن الدماغ الأيمن عليه أن يعمل بجهد أكبر بسبب عطل الدماغ الأيسر، وبالتالي تتطور مهارات العارف نتيجة لذلك. على سبيل المثال، فإن الدماغ الأيمن أكثر فنية بكثير من الدماغ الأيسر. عادة يحد الدماغ الأيسر من هذه الموهبة، ويمنع تطورها لكنُ  لو أصيب الدماغ الأيسر بطريقة ما، فربما تطلق القدرات الفنية المخبأة في الدماغ الأيمن، مسببة انفجار الموهبة الفنية. لذا فالمفتاح لإطلاق قدرات العارف ربما يكون بتخميد الدماغ الأيسر بحيث لا يقيد المواهب الطبيعية للدماغ الأيمن. يشار إلى هذا أحيانا بـ «عطب الدماغ الأيسر وتعويض الدماغ الأيمن».

في العام  1998 أجرى الدكتور بروس ميلر من جامعة كاليفورنيا - سان فرانسيسكو سلسلة من الدراسات التي أيدت هذه الفكرة . درس مع معاونيه خمسة أشخاص عاديين بدأوا يظهرون علامات على الخرف الجبهي الصدغي ( FTD ). ومع بدء الخرف لديهم بالتطور، بدأت قدرات العارف لديهم في الظهور تدريجيا. وبدأ عدد منهم يظهر قدرات فنية استثنائية أكثر، على الرغم من أن أحدا منهم لم يظهر مثل هذه القدرات من قبل. والأكثر من ذلك أن القدرات التي أظهروها كانت نموذجا لتصرفات العارفين. كانت قدراتهم بصرية وليست سمعية، وكانت أعمالهم الفنية على الرغم من روعتها مجرد نسخ تفتقر إلى الأصالة أو الرمزية أو التجريد (في الحقيقة تحسنت حالة أحد المرضى خلال الدراسة. لكن مهاراته العارفية الناشئة انخفضت أيضا نتيجة لذلك. يقترح هذا علاقة وثيقة بين الاضطرابات التي تصيب الفص الجانبي الأيسر، ومهارات العارف الناشئة).

بدا أن تحليل الدكتور ميلر يظهر أن تدهور القشرتين الجانبية اليسرى والجبهية الحجاجية ربما أنقص خمود النظم البصية في نصف الدماغ الأيمن، وبالتالي زاد من القدرات الفنية. مرة أخرى، فإن تعطيل نصف الكرة الأيسر في منطقة محددة يجبر نصف الكرة الأيمن على تو ّلي المهمة والتطور.

إضافة إلى العارفين، أجريت مسوحات  MRI على أناس بمتلازمة فرط الاستذكار  hyperthymestic ، الذين تمتعوا أيضا بذاكرات فوتوغرافية متفوقة . لا يعاني هؤلاء الأشخاص التوحد والاضطرابات العقلية، لكنهم يشاركونهم بعض مهاراتهم. في الولايات المتحدة بأكملها هناك نحو أربع حالات موثقة فقط لأناس بذاكرات تصويرية حقيقية. إحداها هي لجيل برايس، وهي مديرة مدرسة في لوس أنجلوس تستطيع أن تتذكر ما كانت تفعل في يوم معين منذ عدة عقود. لكنها تشكو من صعوبة محو بعض الأفكار. في الحقيقة، يبدو عقلها كأنه «عالق على شكل ملاح آلي». تقارن ذاكرتها بعملية مراقبة العالم من خلال شاشة منقسمة، حيث يتنافس الماضي والحاضر باستمرار بشكل دائم للفت انتباهها.

منذ العام  2000 مسح علماء في جامعة كاليفورنيا - ارفاين دماغها، ووجدوا أنه غير عادي. كانت مناطق عدة فيه أكبر من المعتاد، مثل النواة المذنبة (التي تتعلق بتشكيل العادات)، ومثل الفص الصدغي (الذي يخزن الحقائق والأرقام). لقد افترض أن هاتين المنطقتين تعملان بتناسق لخلق ذاكرتها التصويرية. لذا كان دماغها مختلفا عن أدمغة العارفين الذين يعانون عطبا في الفصوص الصدغية اليسرى. السبب غير معروف، لكنه يشير إلى وسيلة أخرى يمكن للمرء بواسطتها الحصول على هذه القدرات العقلية الرائعة.

مصطلحات هامة

جهاز الرنين المغناطيسي  MRI

 الخرف الجبهي الصدغي FTD 

متلازمة فرط الاستذكار  hyperthymestic



نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.