إنساليات تعي ذاتها
ما الخطوات التي يجب اتخاذها قبل أن يكون للحاسبات مثل واطسن وعي ذاتي؟ للجواب عن هذا السؤال، علينا أن نعود إلى تعريفنا للوعي الذاتي: القدرة على وضع الشخص نفسه داخل نموذج للبيئة، ثم تشغيل تمثيلات لهذا النموذج للمستقبل لتحقيق هدف ما. تتطلب الخطوة الأولى مستوى عاليا جدا من الإدراك السليم من أجل توقع أنواع مختلفة من الحوادث. ثم على الإنسالي أن يضع نفسه داخل هذا النموذج، والذي يتطلب فهما لمسارات العمل المختلفة التي قد يأخذها.
في جامعة ميجي Meiji قام العلماء بالخطوات الأولى لخلق إنسالي يمتلك الوعي الذاتي . هي مهمة صعبة، لكنهم يعتقدون أن في استطاعتهم تحقيق ذلك بخلق إنساليات بنظرية العقل. بدأوا ببناء إنساليين. برمج الأول لتنفيذ حركات معينة.ٍ وبرمج الثاني لمراقبة الإنسالي الأول ومن ثم لنسخه. استطاعوا خلق إنسالي ثان يمكنه بطريقة منهجية تقليد تصرف الإنسالي الأول عن طريق مراقبته فقط. هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يصنع فيها إنسالي خصيصا ليمتلك بعض الإحساس بالوعي الذاتي. كان للإنسالي الثاني نظرية العقل، أي، كان قادرا على مراقبة إنسالي آخر ثم تقليد حركاته.
في العام 2012 قام علماء من جامعة ييل بالخطوة التالية، وهي صنع إنسالي اجتاز اختبار المرآة. عندما توضع الحيوانات أمام مرآة، يعتقد معظمها أن الصورة في المرآة هي لحيوان آخر. وكما ذكرنا، فقد اجتازت حيوانات قليلة فقط اختبار المرآة، مدركة أن الصورة في المرآة هي انعكاس لها. صنع العلماء في جامعة ييل إنساليا يدعى نيكو يشبه هيكلا عظميا متدليا مصنوعا من أسلاك ملتوية، بذراعين ميكانيكيتين وعينين جاحظتين في الأعلى. عندما وضع أمام مرآة، لم يتعرف على نفسه فقط، بل استطاع أيضا استنتاج مواقع الأشياء في الغرفة بالنظر إلى صورها في المرآة. يشبه هذا ما نفعله عندما ننظر في مرآة خلفية ونستنتج موقع الأجسام وراءنا.
يقول مبرمج نيكو، جستين هارت: «بحسب معلوماتنا هذا أول نظام إنسالي يحاول استخدام مرآة بهذه الطريقة، مما يمثل خطوة مهمة نحو بنية متناسقة تسمح للإنساليات بالتعلم عن أجسادها ومظهرها من خلال ملاحظة الذات، وهي قدرة مهمة مطلوبة لاجتياز اختبار المرآة».
لأن الإنساليات في جامعة ميجي وييل تمثل أحدث ما وصلت إليه التقنية الراهنة في بناء إنساليات بوعي ذاتي، فمن الواضح أن أمام العلماء طريقا طويلا قبل أن يستطيعوا صنع إنساليات بوعي شبيه بوعي الإنسان.
عملهم هو مجرد الخطوة الأولى، لأن تعريفنا للوعي بالذات يتطلب أن يستخدم الإنسالي هذه المعلومات لخلق تمثيلات عن المستقبل. وهذا أبعد بكثير من قدرة نيكو أو أي إنسالي آخر.
يثير هذا السؤال المهم: كيف يستطيع الحاسوب إحراز الوعي الكامل بالذات؟ في قصص الخيال العلمي نصادف كثيرا أحداثا تصبح فيه الإنترنت فجأة واعية ذاتيا، كما في فيلم «القاتل» The Terminator . وبما أن الإنترنت متصلة ببنى المجتمع الحديث التحتية كلها (أي أنظمة الصرف الصحي والكهرباء والاتصالات والأسلحة) سيكون من السهل لإنترنت تعي ذاتها أن تتحكم في المجتمع. سنترك بلا حول أو قوة في مثل هذا الوضع. كتب علماء أن هذا قد يحدث كمثال على «ظاهرة ناشئة» (أي عندما يتراكم عدد كبير من الحاسبات بعضها مع بعض، يمكن أن يحدث انتقال مفاجئ إلى مرحلة أعلى من دون أي مدخل من الخارج).
لكن هذا مثل قول كل شيء ولا شيء، لأنه يترك الخطوات المهمة كلها من دون حسم. إنه كالقول بأن طريقا سريعا يمكنه أن يصبح فجأة واعيا بذاته إذا كان هناك عدد كاف من الطرقات.
لكننا في هذا الكتاب أعطينا تعريفا للوعي والوعي بالذات، لذا يجب أن يكون من الممكن تسجيل الخطوات التي يمكن بواسطتها للإنترنت أن تصبح واعية بذاتها.
أولا: على الإنترنت الواعية أن تصنع باستمرار نماذج عن موقعها في العالم. من حيث المبدأ، يمكن برمجة هذه المعلومات في الإنترنت من الخارج. سيشمل هذا وصف العالم الخارجي (أي الأرض ومدنها وحاسباتها)، وكلها يمكن العثور عليها في الإنترنت ذاتها.
ثانيا: عليها أن تضع نفسها ضمن هذا النموذج. يمكن أيضا الحصول على هذه المعلومات بسهولة. سيتطلب هذا إعطاء المواصفات كلها للإنترنت (عدد الحاسبات والعقد وخطوط النقل... إلخ) وعلاقتها مع العالم الخارجي.
لكن الخطوة الثالثة هي الأصعب بكثير. إنها تعني القيام بتمثيلات لهذا النموذج في المستقبل، متسقة مع هدف ما باستمرار. وهنا نرتطم بالواقع. فالإنترنت غير قادرة على تشغيل تمثيلات للمستقبل، وليست لها أهداف. حتى في المجال العلمي، تشغل تمثيلات للمستقبل بعدة متحولات فقط (مثل تمثيل تصادم ثقبين أسودين). إن تشغيل تمثيل لنموذج عن العالم يحتوي على الإنترنت مازال أبعد من قدرات البرمجة المتوافرة اليوم. يجب أن يتضمن هذا البرنامج قوانين الإدراك السليم كلها، وقوانين الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء جميعها، مع حقائق حول السلوك البشري والمجتمع الإنساني أيضا.
إضافة إلى ذلك، على هذه الإنترنت الذكية أن يكون لها هدف ما. اليوم هي مجرد وسيلة اتصال حيادية، من دون أي اتجاه أو هدف. بالطبع يمكن للمرء من حيث المبدأ أن يفرض هدفا على الإنترنت. لكن دعنا نفكر في المسألة التالية : هل يمكنك خلق إنترنت مهمتها الحفاظ على نفسها؟
سيكون هذا أبسط الأهداف الممكنة كلها، لكن لا أحد يعلم كيف يبرمج حتى هذه المهمة البسيطة. مثل هذا البرنامج، على سبيل المثال، عليه أن يوقف أي محاولة لإغلاق الإنترنت بسحب الفيش الكهربائي. في الوقت الحاضر، فإن الإنترنت غير قادرة على الإطلاق على معرفة أي تهديد لوجودها، فضلا عن تخطيط طرق لمنعه. (على سبيل المثال، يجب أن تستطيع الإنترنت القادرة على اكتشاف تهديدات لوجودها تمييز المحاولات لإيقاف طاقتها، وقطع خطوط اتصالاتها، وتحطيم مخدماتها، وتخريب أليافها الضوئية، وارتباطاتها بالأقمار الصناعية... إلخ. الأكثر من ذلك، فالإنترنت القادرة على الدفاع عن نفسها ضد هذه الهجمات عليها أن تمتلك إجراءات معاكسة لأي سيناريو، ثم تشغيل هذه المحاولات في المستقبل. لا يستطيع أي حاسوب على وجه الأرض القيام حتى بجزء من مثل هذه الأعمال).
بعبارة أخرى، ربما أمكن في المستقبل صنع إنساليات تعي ذاتها، وحتى إنترنت تعي ذاتها، لكن هذا اليوم مازال في المستقبل البعيد، وربما إلى نهاية هذا القرن.
ً لكن افترض لحظة ّ أن هذا اليوم قد حل، وأن هناك إنساليات واعية بذاتها تسير بيننا. لو كانت للإنسالي الواعي بذاته أهداف مماثلة لأهدافنا، فإن مثل هذا النوع من الذكاء الصنعي لا يشكل مشكلة لنا. لكن ما الذي سيحدث لو كانت الأهداف مختلفة؟ الخوف هو أن تتفوق الإنساليات الواعية ذاتيا على البشر من ناحية الذكاء، وأن تستعبدهم. وبسبب قدرتها الأعلى على تمثيل المستقبل، يمكن للإنساليات أن تخطط نتائج سيناريوهات عديدة لتجد الطريقة الأفضل للتغلب على البشر.
إحدى الطرق للتحكم في هذه الإمكانية هي التأكد من أن أهداف تلك الإنساليات خيرة. وكما رأينا، فتمثيل المستقبل ليس كافيا. يجب أن تخدم هذه التمثيلات هدفا نهائيا محددا. لو كان هدف الإنسالي مجرد الحفاظ على نفسه، فإنه سيتفاعل دفاعيا ضد أي محاولة لسحب الفيش الكهربائي، ويمكن لهذا أن يهدد البشرية.
مصطلحات هامة
ميجي Meiji
القاتل The Terminator
على مبدأ التغيرات الكمية عند مستوى معين تحدث طفرات أو تغيرات نوعية.
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
0 تعليقات