هل تستطيع الإنساليات الفهم أو الإحساس؟

عبر قرون، قدم عدد كبير من النظريات بشأن ما إذا كان في إمكان الآلة التفكير أو الشعور. فلسفتي الخاصة تدعى «البنائية»؛ أي بدلا من مناقشة هذا السؤال إلى ما لا نهاية وبلا فائدة، علينا تكريس طاقتنا لخلق إنسالي لمعرفة إلى أي مدى يمكننا الوصول. وإلا فسوف ننتهي في نقاشات فلسفية لا نهاية لها ولا حل. ميزة العلم هي أنه بعد قول وفعل كل شيء، يمكن للمرء أن يجري تجارب لحل مشكلة ما بصورة قاطعة. 

لذا من أجل حل مسألة فيما إذا كان الإنسالي يستطيع التفكير، قد يكون القرار النهائي هو بناء واحد منها. حاجج البعض أن الآلات لن تتمكن على الإطلاق من التفكير كالبشر. كانت أقوى حجة لديهم هي أنه على الرغم من أن الإنسالي يمكنه معالجة الحقائق أسرع من الإنسان، لكنه «لا يفهم» ما يقوم به. وعلى الرغم من أنه يستطيع معالجة حواس (كاللون والصوت) أفضل من الإنسان، فإنه لا يستطيع أن «يحس» أو «يختبر» بشكل حقيقي فحوى هذه الأحاسيس.

على سبيل المثال، قسم الفيلسوف ديفيد تشالمرز مسائل الذكاء الصنعي إلى صنفين، المسائل السهلة والمسائل الصعبة. بالنسبة إليه فإن المسائل السهلة هي تصنيع آلات يمكنها تقليد قدرات البشر أكثر فأكثر، كلعب الشطرنج وجمع الأعداد والتعرف على نماذج معينة... إلخ. أما المسائل الصعبة فتشمل صنع آلات يمكنها أن تفهم المشاعر والإحساسات الموضوعية.

وكما أن تعليم معنى اللون الأحمر لشخص أعمى مستحيل، لن يستطيع الإنسالي على الإطلاق أن يختبر الإحساس باللون الأحمر كما يقولون. أو يمكن للحاسوب أن يترجم كلمات صينية إلى الإنجليزية بطلاقة كبيرة، لكنه لن يستطيع مطلقا فهم ما يقوم بترجمته. بهذه الصورة، تشبه الإنساليات مسجلات شريطية أو آلات جمع حسابية قادرة على تذكر معلومات ومعالجتها بدقة هائلة، لكن من دون فهم على الإطلاق.

يجب أخذ هذه الحجج بجدية، لكن هناك أيضا طريقة أخرى للنظر إلى الخبرة الموضوعية. في المستقبل، من المحتمل جدا أن تستطيع آلة معالجة الإحساس باللون الأحمر مثلا أفضل بكثير من أي إنسان. ستستطيع وصف المواصفات الفيزيائية للون الأحمر، وحتى أن تستخدمه شعريا في جملة أفضل من الإنسان. ولكن هل «يشعر» الإنسالي باللون الأحمر؟ تصبح المسألة بلا قيمة بما أن الكلمة «يشعر» ليست معرفة جيدا. في مرحلة ما ربما يتجاوز وصف إنسالي للون الأحمر وصف البشر له، وربما سيسأل: هل يفهم البشر حقا اللون الأحمر؟ ربما لا يستطيع البشر أن يفهموا حقا اللون الأحمر بالتفاصيل والتعقيدات كلها التي يمكن للإنسالي معرفتها.



قال عالم التربية سكينر مرة «المشكلة الحقيقية ليست فيما إذا كانت الآلات تفكر، لكن فيما إذا كان البشر يفكرون».

بالمثل، إنها مسألة وقت فقط قبل أن يستطيع الإنسالي أن يعرف الكلمات الصينية ويستخدمها في سياقها أفضل بكثير من أي إنسان. عند تلك المرحلة يصبح من غير المهم معرفة ما إذا كان الإنسالي «يفهم» اللغة الصينية. من الناحية العملية، سوف يعرف الحاسوب اللغة الصينية أفضل من أي إنسان. بعبارات أخرى فالكلمة «فهم» ليست محددة جيدا.

يوما ما، مع تفوق الإنساليات علينا في التحكم بتلك الكلمات والأحاسيس، سيصبح من غير المهم ما إذا كانت الإنساليات «تفهم» أو «تحس» بها. لن تكون هناك أي أهمية لهذا السؤال.

وكما قال الرياضي جون فون نيومان «في الرياضيات، أنت لا تفهم الأشياء. إنك تتعودها فقط».

لذا فالمشكلة لا تقع في الآلة بل في طبيعة اللغة البشرية، حيث تعني الكلمات غير المحددة أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين. سئل فيزيائي الكم الشهير نيلز بوهر مرة كيف يمكن للمرء أن يفهم المسائل المعقدة العميقة لنظرية الكم. الجواب كما قال يقع في كيف تحدد معنى كلمة «يفهم».

كتب الدكتور دانييل دينيت، وهو فيلسوف في جامعة تافت، ما يلي «ليس فيٍ  الإمكان إيجاد اختبار موضوعي للتمييز بين إنسالي ذكي وشخص واع. الآن لديك خيار: يمكنك إما التشبث بالمسألة الصعبة، وإما يمكنك هز رأسك بتعجب وطرحها جانبا. استسلم فقط».

بعبارات أخرى، ليس هناك ما يسمى «مسألة صعبة».

بالنسبة إلى الفلسفة البنائية، ليست المسألة في النقاش حول ما إذا كانت آلة تستطيع الإحساس باللون الأحمر، لكن في بناء الآلة. بهذه الصورة، هناك استمرار لمستويات وصف الكلمة «فهم» و«شعور». (هذا يعني أنه ربما من الممكن إعطاء قيم رقمية لدرجة الفهم والشعور). من جهة، لدينا الإنساليات الخرقاء الموجودة اليوم، والتي يمكنها أن تتلاعب ببعض الرموز لكن ليس أكثر من ذلك. ومن جهة أخرى لدينا بشر يفخرون بالشعور الموضوعي. لكن مع مرور الزمن ستستطيع الإنساليات في النهاية أن تصف الأحاسيس أفضل منا على أي مستوى. وعندها سيكون من الواضح أن الإنساليات تفهم.

كانت هذه هي الفلسفة وراء اختبار تورنغ الشهير لألان تورنغ. لقد تنبأ بأن آلة ستبنى يوما ما يمكنها الإجابة عن أي سؤال، بحيث لا يمكن تمييزها عن الإنسان. قال:ُ  «يستحق حاسوب ما أن يدعى ذكيا لو استطاع خداع إنسان للاعتقاد بأنه إنسان».

عبر الفيزيائي وحامل جائزة نوبل فرانسيس كريك عن ذلك بشكل أفضل. في القرن الأخير، كما لاحظ، دارت مناقشات حامية بين علماء الأحياء حول السؤال «ما الحياة؟». وبفهمنا للدنا اليوم يدرك العلماء أن السؤال غير محدد تماما. هناك اختلافات وطبقات وتعقيدات عديدة لذلك السؤال البسيط. لذا فالسؤال «ما الحياة» قد تلاشى ببساطة. ربما سينطبق الشيء نفسه في النهاية على الشعور والفهم.



نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.