الوادي الغريب
ً لكن افترض لحظة أننا سنتعايش يوما ما مع إنساليات متطورة جدا، ربما باستخدام شرائح بترانزيستورات جزيئية بدلا من السيليكون. كم من الشبه نريد أن يكون بيننا وبين الإنساليات؟ اليابان هي الرائدة عالميا في صنع إنساليات تشبه الحيوانات الأليفة والأطفال، لكن مصمميها حذرون من جعل إنسالياتهم تشبه البشر كثيرا، ما قد يسبب القلق. درست هذه الظاهرة لأول مرة من قبل الدكتور ماساهيرو موري في اليابان في العام 1970 ، ودعيت بـ«الوادي الغريب» وهي تقول إن الإنساليات سوف تبدو بشعة إذا شابهت البشر كثيرا. (ذكر هذا التأثير حقيقة لأول مرة من قبل داروين في العام 1839 في كتابه «رحلة البيغل» The Voyage of the Beagle ، ومرة أخرى من قبل فرويد في العام 1919 في مقالة بعنوان « الغريب» The Uncunny ) . منذ ذلك الوقت درست هذه المسألة بعناية ليس من قبل باحثيّ الذكاء الصنعي فقط، بل من قبل صانعي الصور المتحركة، وأي شخص يسوق منتجا يشمل شخصيات شبيهة بالبشر. على سبيل المثال، في مراجعة لفيلم «قطار القطب السريع» The Polar Expres لاحظ كاتب الـ CNN أن « الشخصيات البشرية في الفيلم تأتي على شكل شخصيات بشعة. لذا ففيلم قطار القطب السريع في أحسن الأحوال مزعج، وفي أسوئها مخيف نوعا ما».
بحسب الدكتور موري، كلما شابهت الإنساليات البشر شعرنا بالتعاطف معها، لكن إلى حد معين. هناك انخفاض في التعاطف مع اقتراب الإنسالي من مظهر الرجل الفعلي – وبالتالي «الوادي الغريب». إذا بدا الإنسالي قريبا جدا منا، عدا بعض الخصائص القليلة «الغريبة»، فإنه سيخلق شعورا بالاشمئزاز والخوف. وإذا بدا الإنسالي بشرا 100 في المئة، بحيث لا يمكن تمييزه عني وعنك، فسوف نتعاطف إيجابيا معه مرة أخرى.
لهذا تأثيرات عملية. على سبيل المثال، هل يجب على الإنساليات أن تبتسم؟ في البداية يبدو من الواضح أن على الإنساليات أن تبتسم لتحيي الناس، وتشعرهم بالراحة. الابتسام إشارة عامة تشير إلى الدفء والترحاب. لكن إذا كانت ابتسامة الإنسالي واقعية جدا، فستجعل جلد الناس يقشعر. (على سبيل المثال، غالبا ما تظهر أقنعة الهالوين كائنات شيطانية مبتسمة). لذا على الإنساليات أن تبتسم فقط إذا كانت بمظهر الأطفال (أي بعينين كبيرتين، ووجه مستدير) أو إذا كانت بشرية تماما، ولا شيء بينهما. (عندما نجبر أنفسنا على الابتسام ننشط عضلات الوجه بقشرتنا أمام الجبهية. لكن عندما نبتسم لأننا في مزاج جيد فإن الجهاز الحوفي يتحكم في أعصابنا، وهو ينشط مجموعة مختلفة قليلا من العضلات. ويمكن لعقولنا أن تعرف الفارق الخفيف بين الحالتين، وهذا مفيد لتطورنا).
يمكن دراسة هذا التأثير أيضا باستخدام مسوحات الدماغ. دعنا نقل إن شخصا وضع ضمن آلة MRI وعرضت عليه صورة لإنسالي يبدو مثل البشر تماما، عدا أن حركات جسده ميكانيكية وثقيلة قليلا. يحاول الدماغ، كلما رأى شيئا، أن يتنبأ بحركة الجسم في المستقبل. لذا عند النظر إلى إنسالي يبدو مثل البشر، يتنبأ الدماغ بأنه سيتحرك مثل البشر. لكن عندما يتحرك الإنسالي مثل آلة، سيكون هناك عدم تطابق يجعلنا غير مرتاحين. بشكل خاص، يلمع الفص الجداري (خاصة الجزء من الفص حيث تتصل قشرة المحرك بالقشرة البصرية). من المعتقد أن العصبونات المرآتية توجد في هذه المنطقة من الفص الجداري. وهذا منطقي، لأن القشرة البصرية تلتقط صورة الإنسالي الشبيه بالبشر، وتتنبأ قشرة المحرك بعصبوناتها المرآتية بحركاته. في النهاية من المحتمل أن القشرة الجبهية الحجاجية الموجودة خلف العينين مباشرة تضع كل شيء بعضه مع بعض، وتشير إلى أن «هناك غلطا ما».
يعرف صانعو الأفلام في هوليوود هذا التأثير. عندما يصرفون الملايين على صنع فيلم رعب، يعلمون أن المشهد الأكثر رعبا ليس عندما يصدر صوت هائل أو يققز وحش فرانكشتايني من الغابة، بل عندما يكون هناك تشويه عكسي لما هو مألوف. فكر في فيلم (الإكسورسيت) «طارد الشيطان» The Exorcist . ما المشهد الذي جعل رواد السينما يتقيأون وهم يركضون للهرب من المسرح أو الإغماء في مقاعدهم؟ هل كان المشهد عندما ظهر الشيطان؟ لا، انفجرت المسارح حول العالم بصرخات مرعبة ونحيب مرتفع عندما أدارت ليندا بلير رأسها كاملا.
يمكن توضيح هذا التأثير أيضا بالنسبة إلى صغار القردة. إذا أريتهم صور دراكولا أو فرانكشتاين، فإنهم ببساطة سيضحكون ويمزقون هذه الصور. لكن ما يجعل هذه القردة الصغيرة تصرخ برعب هو صورة قرد مشوه. مرة أخرى، فإن تشويه العادي هو الذي يثير أشد أشكال الخوف. (في الفصل الثاني ذكرنا أن نظرية الزمكان للوعي تفسر طبيعة الدعابة، بما أن الدماغ يمثل مستقبل النكتة، لكنه يتعجب عند سماع القفلة. يفسر هذا طبيعة الرعب أيضا. يمثل الدماغ مستقبل حادث عادي، لكنه يصدم عندما تصبح الأشياء مشوهة فجأة بشكل مخيف).
لهذا السبب ستستمر الإنساليات في الظهور بمظهر طفولي حتى مع اقترابها من الذكاء البشري. فقط عندما تستطيع الإنساليات التصرف فعليا مثل البشر سيجعلها مصمموها تبدو كالبشر تماما.
مصطلحات هامة
رحلة البيغل The Voyage of the Beagle
الغريب The Uncunny
قطار القطب السريع The Polar Expres
التصوير بالرنين المغناطيسي MRI
طارد الشيطان The Exorcist
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
0 تعليقات