أين «أنا»؟
من الممكن أن تكون هناك منطقة معينة من الدماغ وظيفتها توحيد الإشارات من نصفي كرة الدماغ لخلق شعور ناعم ومتسق بالذات. يعتقد الدكتور تود هيذرتون، وهو عالم نفس في كلية دارتموث، أن هذه المنطقة موجودة ضمن القشرة أمام الجبهية، فيما يدعى القشرة أمام الجبهية الوسطى. يكتب عالم الأحياء الدكتور كارل زيمر «قد تؤدي القشرة أمام الجبهية الوسطى الدور نفسه للذات الذي يؤديه الحصين بالنسبة إلى الذاكرة... (هي) قد تركب باستمرار محور شعورنا بذاتنا»
بعبارة أخرى، ربما تكون المدخل لمبدأ «الأنا،» وهي المنطقة الوسطى من الدماغ، التي تؤلف، وتلفق، رواية موحدة عن ذاتنا. (لا يعني هذا مع ذلك أن القشرة أمام الجبهية الوسطى هي القزم القابع في دماغك والذي يتحكم في كل شيء.
إذا كانت هذه النظرية صحيحة فيجب أن يكون الدماغ المرتاح، عندما نحلم باسترخاء بأحلام اليقظة حول أنفسنا وأصدقائنا، أكثر نشاطا من المعتاد، حتى عندما تكون أماكن أخرى من مناطق الدماغ الحسية هادئة. بالفعل تؤكد مسوحات الدماغ ذلك. يستنتج الدكتور هيذرتون «نحن نحلم بأحلام اليقظة معظم الوقت- نفكر في شيء حدث لنا، أو ما نظنه بالناس الآخرين. هذا كله يشتمل على تأمل للذات»
تقول نظرية الزمكان إن الوعي مركب من عدد من الوحدات الفرعية للدماغ، تتنافس كل منها مع الأخرى لتخلق نموذجا للعالم، ومع ذلك يشعر وعينا بالنعومة والاستمرارية. كيف يمكن ذلك؟ عندما نمتلك جميعا الشعور بأن «ذاتنا» غير متقطعة، وأنها دائما في موقع السيطرة.
في الفصل السابق قابلنا مصيبة المرضى المصابين بانشطار الدماغ، الذين يصارعون أحيانا أيادي غريبة تمتلك حرفيا عقلا خاصا بها. يبدو أن هناك مركزين للوعي يسكنان ضمن الدماغ نفسه، لذا كيف يخلق هذا كله الشعور بأن لدينا «ذاتا» موحدة ومتسقة موجودة ضمن أدمغتنا؟
سألت شخصا قد يمتلك الجواب: الدكتور مايكل غازانيغا، الذي أمضى عدة عقود يدرس التصرف الغريب لمرضى الدماغ المشطور . لاحظ أن الدماغ الأيسر لمرضى الدماغ المشطور، عندما يواجه بأن هناك مركزين منفصلين للوعي يسكنان في الجمجمة نفسها، سيؤلف ببساطة تفسيرات غريبة مهما كانت سخيفة. أخبرني أن الدماغ الأيسر، عندما يواجه بمشكلة واضحة، سيختلق جوابا لتفسير الحقائق غير الملائمة. يعتقد الدكتور غازانيغا أن هذا يعطينا الشعور الكاذب بأننا وحدة موحدة وكاملة. يدعو الدماغ الأيسر بالـ «مفسر» الذي يستنبط باستمرار الأفكار لتغطية عدم التوافق والثغرات في وعينا.
على سبيل المثال، أضاء في إحدى تجاربه الكلمة «أحمر» للدماغ الأيسر فقط لمريض، والكلمة «موزة» للدماغ الأيمن فقط. (لاحظ أن الدماغ الأيسر المسيطر لا يعلم شيئا حول الموزة.) ثم سئل الشخص أن يلتقط قلما بيده اليسرى (والتي هي محكومة بالدماغ الأيمن) وأن يرسم صورة. بشكل طبيعي رسم صورة لموزة. تذكر أن الدماغ الأيمن يمكنه فعل ذلك، لأنه رأى الموزة، لكن الدماغ الأيسر ليست لديه أيُ فكرة بأن الموزة أضيئت للدماغ الأيمن .
ثم سئل لماذا رسم الموزة. ولأن الدماغ الأيسر فقط يتحكم بالكلام، ولأنه لم يعلم أي شيء حول الموزة، كان على المريض أن يقول «لا أعلم،» لكنه بدلا من ذلك قال: «الأسهل هو الرسم بهذه اليد، لأن هذه اليد يمكنها السحب إلى الأسفل بشكل أفضل.» لاحظ الدكتور غازانيغا أن الدماغ الأيسر كان يحاول العثور على تبرير ما لهذه الحقيقة غير الملائمة، حتى ولو أن المريض لم يمتلك أي دليل حول سبب رسم يده اليمنى للموزة.
يستنتج الدكتور غازانيغا أن «نصف الكرة الأيسر يعمل ضمن الميل البشري إلى إيجاد نظام في الفوضى، وهو الذي يحاول أن يوظف كل شيء في قصة، ويضعه ضمن سياقه. يبدو أنه مدفوع إلى التفكير في بنية العالم، حتى عند مواجهة الدلائل على غياب أي نموذج»
من هنا يأتي شعورنا بالذات الموحدة. على الرغم من أن الوعي مركب من ميول متنافسة ومتناقضة غالبا، فإن الدماغ الأيسر يتجاهل عدم الاتساق، ويغطي ثغرات واضحة ليعطينا شعورا ناعما بـ «أنا» منفردة. بعبارة أخرى، يستمر الدماغ الأيسر في إعطاء الأعذار، بعضها رعناء، ليخلق شيئا معقولا من هذا العالم. إنه يسأل باستمرار: «لماذا؟» ويفكر في تبريرات، حتى لو لم يكن هناك جواب عن السؤال.
(ربما كان هناك سبب تطوري وراء تطور أدمغتنا المنقسمة. سيشجع مدير عام محنك غالبا مساعديه على اتخاذ مواقف متعارضة حول قضية ما من أجل تشجيع نقاش عميق وشامل. وغالبا ما يظهر الرأي الصحيح من التفاعل الشديد مع الأفكار الخطأ. بالمثل، يكمل نصفا الدماغ بعضهما بعضا، بحيث يقدمان تحليلا شاملا متفائلا/ تحليليا أو متشائما/ للفكرة نفسها، لذا يعدل نصفا الدماغ بعضهما بعضا. بالفعل، وكما سنرى، ربما تنشأ أشكال معينة من المرض العقلي عندما يتجه هذا التفاعل بين الاثنين في الطريق الخطأ.)
بما أن لدينا الآن نظرية فعالة حول الوعي، حان الوقت لاستخدامها لفهم كيف سيتطور علم الأعصاب في المستقبل. هناك مجموعة واسعة ومميزة من التجارب التي تجرى الآن في علم الأعصاب، والتي تغير بعمق المشهد العلمي بكامله.
باستخدام قوة الكهرطيسية يمكن للعلماء الآن أن يتفحصوا أفكار الناس، ويبعثوا برسائل تخاطرية عن بعد، ويتحكموا في الأشياء بتحريكها حولنا بواسطة الدماغ، وأن يسجلوا الذكريات، وربما أن يطوروا ذكاءنا.
ربما كان التطبيق الأكثر قربا وفائدة عمليا لهذه التقنية الجديدة شيئا اعتبر مرة مستحيلا تماما وهو: التخاطر .
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
0 تعليقات