المستقبل

لكن افترض الآن أن تلك اللحظة قد أتت أخيرا. بكثير من الضجة يعلن العلماء بجد أنهم نجحوا في هندسة الدماغ البشري بكامله عكسيا.

ثم ماذا؟

أحد التطبيقات الفورية هو معرفة جذور الأمراض العقلية. يعتقد أن العديد من الأمراض العقلية ليست ناجمة عن تخريب كبير في العصبونات، لكنها تنجم عن سوءّ  اتصال بسيط بينها. فك ّ ر في الأمراض الجينية الناجمة عن تحول وحيد، مثل مرض هنتينغتون أو تاي ساكس أو التليف الكيسي cystic fbrosis . من نحو ثلاثة مليارات زوج قاعدي، يمكن لتهجئة خاطئة (أو لتكرار وحيد) أن تسبب فشلا لا يمكن التحكم فيه لأطرافك وتشنجات كما بالنسبة إلى مرض هنتينغتون. حتى لو كان الجينوم سليما بنسبة  9999.99 في المائة يمكن لعيب ضئيل أن يسبب خطأ السلسلة بأكملها. هذا هو السبب في أن المعالجة الجينية استهدفت هذه التحولات الوحيدة كأمراض جينية محتملة يمكن معالجتها.

بالمثل، لا تكاد تكتمل عملية الهندسة العكسية للدماغ، حتى يصبح بالإمكان تشغيل تمثيلات للدماغ، بإثارة اضطراب عن قصد ببعض الوصلات لمعرفة إذا كان باستطاعتك تحريض بعض الأمراض. ربما تكون حفنة من العصبونات فقط مسؤولة عن اضطرابات رئيسة في إدراكنا. ربما تكون إحدى مهمات الهندسة العكسية للدماغ هي تحديد هذه المجموعة الضئيلة من العصبونات التي تفشل في الإطلاق.

أحد الأمثلة ربما يكون وهم كابغراس  Capgras delusion حيث ترى شخصاٍ  تدرك أنه والدتك، لكنك تعتقد أن هذا الشخص مدع. وفق الدكتور راماتشاندران ربما نجم هذا المرض عن سوء اتصال بين جزأين من الدماغ . التلفيف المغزلي في الفص الصدغي مسؤول عن التعرف على وجه والدتك، لكن اللوزة مسؤولة عن الاستجابة العاطفية لرؤيتها. وعندما تتعطل الصلة بين هذين المركزين يمكن للمرء أن يتعرف على وجه والدته بشكل جيد تماما، لكن لأنه لا توجد استجابة عاطفية فإنه مقتنع تماما بأنها مدعية.

استخدام آخر للهندسة العكسية للدماغ هو تحديد بالضبط أي مجموعة من الأعصاب تخطئ في الإطلاق. يشمل تمثيل الدماغ العميق كما رأينا استخدام مجسات ضئيلة لإخماد نشاط جزء ضئيل من الدماغ، مثل منطقة برودمان  25 في بعض حالات الاكتئاب الشديد. باستخدام خريطة الهندسة العكسية ربما يكون من الممكن معرفة أين تخطئ العصبونات في الإطلاق بالضبط، والذي قد يتعلق بحفنة من العصبونات فقط.



سيشكل دماغ مهندس عكسيا مساعدة كبيرة للذكاء الصنعي. تتم الرؤية والتعرف على الوجه بلا جهد من قبل الدماغ، لكنهما لايزالان يستعصيان على أكثر حواسبنا تطورا. على سبيل المثال، يمكن للحاسوب أن يتعرف بدقة  95 في المائة أو أكبر على الوجوه البشرية التي تنظر نحو الأمام مباشرة، والتي هي أيضا جزء من بنك بيانات صغير، لكنك لو أريت الحاسوب الوجه نفسه من زوايا مختلفة، أو وجها ليس في بنك المعلومات، فمن المحتمل جدا أن يفشل. خلال  0.1 ثانية يمكننا التعرف على وجوه مألوفة من زوايا متباينة، وهي عملية سهلة جدا بالنسبة إلى أدمغتنا بحيث إننا لا نشعر بأننا نقوم بها. ربما تظهر الهندسة العكسية للدماغ السر بشأن كيفية حدوث هذا الأمر.

الأكثر تعقيدا ستكون أمراضا تشمل فشلا متعددا للدماغ، مثل الفصام. يشمل هذا الاضطراب عدة جينات، مع التفاعل مع البيئة التي تسبب بدورها نشاطا غير عادي في مناطق مختلفة من الدماغ. لكن حتى هناك يمكن لدماغ مهندس عكسيا أن يعرف بالضبط كيف تتشكل أعراض معينة (كالهلوسات) وربما يمهد هذا الطريق لعلاج محتمل.

ستحل الهندسة العكسية للدماغ أيضا أسئلة أساسية لكنها غير محلولة، مثل كيف تخزن الذكريات طويلة الأمد. من المعلوم أن مناطق معينة من الدماغ مثل الحصين واللوزة تخزن ذكريات، لكن كيف تتوزع الذكريات خلال القشرات المختلفة، وكيف يعاد تجميعها لخلق ذاكرة، مازال أمرا غامضا.

لا يكاد يصبح الدماغ المهندس عكسيا عاملا تماما، حتى يحين الوقت لتشغيل داراته كلها لمعرفة فيما إذا كان سيستجيب كالبشر (أي لمعرفة إذا كان سيجتاز اختبار تورنغ). بما أن الذاكرة طويلة الأمد مشفرة مسبقا في عصبونات الدماغ المهندس عكسيا، يجب أن يكون من الواضح بسرعة ما إذا كان الدماغ يستطيع أن يستجيب بطريقة لا يمكن تمييزها عن الإنسان.

أخيرا، هناك تأثير واحد للهندسة العكسية للدماغ لا يناقش إلا نادرا، على رغم أنه في تفكير كثيرين من الناس: الخلود. لو أمكن نقل الوعي إلى حاسوب، هل يعني ذلك أنه ليس من المحتم أن نموت؟

مصطلحات هامة

التليف الكيسي cystic fbrosis
وهم كابغراس  Capgras delusion



نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.