المستوى 3 من الوعي: تمثيل المستقبل
بهذا الإطار من الوعي، نرى أن البشر ليسوا متميزين، وأن هناك تدرجا مستمرا من الوعي. وكما علق تشارلز داروين مرة «الاختلاف بين الإنسان والحيوانات الأعلى. على الرغم من أنه كبير كما هو، فإنه بالتأكيد اختلاف في الدرجة، وليس في النوع» .
لكن ما الذي يفصل الوعي البشري عن الوعي الحيواني؟ البشر هم وحدهم في مملكة الحيوان الذين يفهمون فكرة المستقبل. على النقيض من الحيوانات، فإننا نسأل أنفسنا باستمرار «ماذا لو؟» لأسابيع وأشهر وحتى لسنوات في المستقبل، لذا أعتقد أن المستوى 3 من الوعي يخلق نموذجا لموقعه في العالم، ثم يماثله للمستقبل، بإجراء تنبؤات تقريبية. يمكننا تلخيص هذا كما يلي:
في الوقت الذي نصل فيه إلى المستوى 3 من الوعي، هناك دارات تغذية عديدة بحيث نحتاج إلى المدير العام لـ CEO لتمحيصها من أجل تمثيل المستقبل واتخاذ القرار النهائي. بالتالي فإن أدمغتنا تختلف عن أدمغة الحيوانات الأخرى، خصوصا في القشرة الجبهية المتوسعة الموجودة خلف الجبهة تماما، مما يسمح لنا بـ «تصور» المستقبل.
كتب الدكتور دانييل غيلبرت، عالم النفس من جامعة هارفارد، ما يلي «الإنجاز الأكبر للعقل البشري هو قدرته على تخيل أشياء وحوادث لا توجد في الواقع، وهذه هي القدرة التي تسمح لنا بالتفكير في المستقبل. وكما لاحظ أحد الفلاسفة، فالعقل البشري «آلة توقع،» و«صنع المستقبل» هو أهم ما يفعله» .
باستخدام مسوحات الدماغ، يمكننا حتى أن نقترح موقعا مرشحا للمنطقة المحددة من الدماغ التي يتم فيها تمثيل المستقبل. يلاحظ عالم الأعصاب مايكل غازانيغا أن «المنطقة 10 ( الطبقة الحبيبية الداخلية IV )، في القشرة أمام الجبهية الجانبية، هي أكبر بالضعف تقريبا في البشر منها في القرود . المنطقة 10 تتعلق بالذاكرة والتخطيط، والمرونة الإدراكية والتفكير المجرد، والبدء بتصرفات مناسبة، ومنع التصرفات غير الملائمة، وقواعد التعلم والتقاط المعلومات ذات القيمة التي تأتي من الحواس» (بالنسبة إلى هذا الكتاب، سوف نشير إلى هذه المنطقة التي تتركز فيها عمليات اتخاذ القرار على أنها القشرة أمام الجبهية الظهرانية الجانبية ، على الرغم من أن هناك بعض التقاطع مع مناطق أخرى من الدماغ.
على الرغم من أن الحيوانات قد تمتلك فهما محددا لموقعها في المكان، ويمتلك بعضها درجة من الإحساس بالحيوانات الأخرى، فإنه ليس من الواضح ما إذا كانت تخطط بمنهجية للمستقبل، ولديها فهم لـ «الغد.» معظم الحيوانات، حتى الاجتماعية منها ذات الأجهزة الحوفية شديدة التطور، تتفاعل مع الظروف (مثل وجود مفترسات أو شركاء محتملين للجماع) بالاعتماد على الغريزة بشكل رئيس، بدلا من التخطيط المنهجي للمستقبل.
على سبيل المثال، لا تخطط الثدييات لمواجهة فصل الشتاء بالتحضير للسبات، لكنها بصورة عامة تتبع غريزتها مع انخفاض درجة الحرارة. هناك دارة تغذية راجعة تنظم عملية السبات. ويتم التحكم في وعيها برسائل تأتي من حواسها.
ليس هناك دليل على أنها تمحص منهجيا خطط وتدابير مختلفة وهي تتحضر للسبات. وعندما تستخدم الحيوانات المفترسة الخداع والتمويه لتطارد طريدة غير متشككة، فإنها تتوقع حوادث مستقبلية، لكن هذا التخطيط محدود فقط بالغريزة ومدة الصيد. تمتلك القردة العليا كفاءة في تصميم خطط قصيرة المدى (كتأمين الطعام،) لكن ليس هناك دليل على أنها تخطط لأكثر من عدة ساعات في المستقبل.
البشر مختلفون. على الرغم من أننا نعتمد على الغريزة والعواطف في أوضاع كثيرة، فإننا نحلل المعلومات باستمرار ونقيمها من دارات تغذية راجعة عديدة.
ُنشغل بذلك عمليات مماثلة حتى من خارج مدى عمرنا القصير، وإلى آلاف السنين في المستقبل. تكمن أهمية تشغيل عمليات مماثلة في تقييم الاحتمالات المختلفة لاتخاذ أفضل قرار لتحقيق هدف ما. يحدث هذا في القشرة أمام الجبهية، التي تسمح لنا بتمثيل المستقبل، وتقييم الاحتمالات من أجل تخطيط أفضل مسار للعمل.
تطورت هذه القدرة لأسباب عدة. أولا، فإن امتلاك القدرة على التبصر بالمستقبل لها فوائد تطورية هائلة، مثل الهرب من المفترسات وإيجاد الطعام وشركاء الجماع.
ثانيا، فهي تسمح لنا بالاختيار بين عدة نواتج مختلفة، واختيار أفضلها.
ّ ثالثا، يزداد عدد دارات التغذية الراجعة أسيا، ونحن ننتقل من المستوى 0إلى المستوى 1 ثم المستوى ،2 لذا نحتاج إلى «مدير عام» لتقييم هذه الرسائل المتضاربة والمتنافسة. لم تعد الغريزة كافية. يجب أن يكون هناك جسم مركزي يقيم كل دارة تغذية راجعة. هذا ما يميز الوعي البشري عن وعي الحيوانات. تقيم دارات التغذية الراجعة تلك بالدور، بتمثيلها في المستقبل، للحصول على أفضل ناتج. لو لم يكن لدينا مدير عام، فستنتج الفوضى وسيكون لدينا فيض من الأحاسيس.
يمكن لتجربة بسيطة أن توضح هذا. يصف ديفيد إيغلمان كيف يمكنك أخذ ذكر سمكة من ذات الشوكة وتجعل سمكة أنثوية تتعدى على منطقته.
يصبح الذكر مشوشا ، لأنه يريد جماع الأنثى، ويريد أيضا في الوقت نفسه الدفاع عن منطقته. نتيجة لذلك يقوم ذكر سمك الشوكة بمهاجمة الأنثى، بينما يبدأ بعملية الغزل في الوقت نفسه. يصل الذكر إلى حالة الهيجان، محاولا جذب الأنثى وقتلها في الوقت نفسه.
ينطبق هذا على الفئران أيضا. ضع قطبا كهربائيا أمام قطعة من الجبن. لو اقترب الفأر جدا منها، فسيصدم بالكهرباء. تخبر دارة تغذية راجعة واحدة الفأر بأن يأكل الجبن، لكن دارة أخرى تخبره بأن يبقى بعيدا، وبأن يتجنب الصدمة.
وبتعديل موقع القطب، يمكنك جعل الفأر يتارجح في الاختيار، حيث سيتأثر بدارتي تغذية راجعة متعارضتين. وبينما يملك الإنسان مديرا عاما في دماغه لتقدير ميزات الوضع ومساوئه، فإن الفأر المحكوم بدارتي تغذية راجعة متعارضتين يتأرجح جيئة وذهابا (يشبه هذا مثال الحمار الذي يجوع حتى الموت لأنه محصور بين بالتين متساويتين من القش).
كيف يمثل الدماغ المستقبل بالضبط؟ يغمر الدماغ البشري بكمية ضخمة من البيانات الحسية والعاطفية. لكن المفتاح هو تمثيل المستقبل بصنع صلات عرضية بين الحوادث – أي لو حدث A فسيحدث .B لكن لو حدث B فإن C و D ربما ينتجان عن ذلك. سيطلق هذا تفاعلا متسلسلا من الأحداث، صانعا في النهاية شجرة من حوادث مستقبلية ممكنة متسلسلة مع العديد من التفرعات. يقيم المدير العام في القشرة أمام الجبهية نتائج هذه التفرعات العرضية لاتخاذ القرار النهائي.
لنفترض أنك تريد سرقة بنك. ما عدد التمثيلات الواقعية لهذه العملية التي يمكنك صنعها؟ لفعل ذلك، عليك أن تفكر في الروابط العرضية المختلفة التي تشمل الشرطة والناس الواقفين وأنظمة الإنذار والعلاقات مع الزملاء من المجرمين وحالة المرور... إلخ. ولتمثيل ناجح للسرقة ربما يجب عليك تقييم مئات الروابط العرضية.
ُ من الممكن أيضا قياس هذا المستوى من الوعي رقميا. دعنا نقل إن شخصا يعطىُ سلسلة من مواقف مختلفة مثل التي سبق ذكرها، ويطلب منه أن يمثل مستقبل كل منها. يمكن تسجيل مجموع العدد الكلي من الروابط العرضية التي يمكن للشخص أن يصنعها لهذه الظروف كلها (أحد التعقيدات هي أن هناك عددا غير محدود من الروابط العرضية التي يمكن لشخص أن يصنعها لظروف ممكنة عديدة. لتجاوز هذا التعقيد، نقسم هذا الرقم على متوسط الروابط العرضية التي نحصل عليها من مجموعة تحكم. ومثل اختبار الذكاء ،IQ يمكن للمرء أن يضرب هذا الرقم بـ 100 .
لذا فمستوى شخص من الوعي، على سبيل المثال، ربما يكون المستوى ،3:100 مما يعني أن بإمكان الشخص تمثيل حوادث المستقبل مثل الشخص العادي).
نلخص هذه المستويات من الوعي في الشكل التالي:
لاحظ أن هذه الفئات تتعلق بمستويات التطور التقريبية التي نجدها في الطبيعة- مثل الزواحف والثدييات والبشر. وعلى الرغم من ذلك هناك مناطق رمادية مثل حيوانات قد تمتلك نواحي ضئيلة من مستويات مختلفة من الوعي، وحيوانات تقوم ببعض التخطيط البدائي، أو حتى خلايا مفردة تتواصل بعضها معُ البعض. قصد من هذا المخطط أن يقدم الصورة العامة الأوسع عن كيفية تنظيم الوعي عبر مملكة الحيوان.)
مصطلحات هامة
dorsolateral القشرة أمام الجبهية الظهرانية الجانبية
Stickleback سمكة من ذات الشوكة
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
0 تعليقات