علم الكون

وحتى نفهم علم الكون الجديد يتعين علينا أن نعرف بدقة موقع الإنسان من هذا الكون وعلاقته به.

فالأرض » الشاسعة الواسعة « موطن الإنسان وبيئته ليست في حـقـيـقـة الأمر إلا كوكبا سيارا صغيرا من تـسـعـة كـواكـب تـدور حـول نجـم الـشـمـس وهناك بلايين الشموس أو النجوم في مجرتنا التي هي واحدة من بـلايـين المجرات مثيلاتها في كون فسيح إلى حدث يصعب تصوره وتخيل مداه.

وقد كان الإنسان في دراسته للأفلاك في الماضي يـسـتـخـدم مـفـاهـيـم عرفها واستخدمها بنجاح على الأرض.. ومن هذه المفاهيم الحجم والمسافات والكتل والجاذبية والخصائص الفيزيائية والكيميائية للمادة وتركيب المـادة في أسسه الذرية.

ولعل سر جمود علم الفلك قديما كان في الخطأ الذي ارتكبه الإنسان في محاولة فهم الكون بمفاهيم الإنسان الأرضية ومعاييره التي استخدمها في حياته ، بل وبحواسه نفسها.

والإنسان معذور في ذلك فحجمه وكتلته مرتبطان ارتباطا وثيقا بحجم الأرض وجاذبيتها وكذلك ترتبط قوته بالجاذبية الأرضية.. وتبعا لهذا كانت جميع نشاطاته ذات ارتباط ونسبة رياضية إلى كتلـة الأرض وجـاذبـيـتـهـا.. فأدواته التي استعملهـا كـامـتـداد لأعـضـائـه كـان لا بـد أن تـكـون مـن حـجـم معين ..وبناياته التي ابتناها لسكناه كان لا بد أن تكون ذي علاقة بحجمـه هو.. وحتى حركته على الأرض ارتبطت بنسبة ثابتة بجاذبية الأرض ـ حتى إذا ما تحرك على سطح القمر مثلا كانت حركته مضطربة غـيـر مـا تـعـود عليه في الأرض ، وذلك لاختلاف الجاذبية.

وعلى ذلك فان إمكان وجود قرد ضخم بحجم كنج كونح ـ الذي ابتدعه في السينما خيال الكتاب ـ مستحيل على كوكب الأرض والسبب في ذلك أن وزن الحيوان يحمل بوساطة عظام الأطراف. فالوزن الذي يحمله عظم عن عظام الأطراف يقرره مبلغ قوة الضغط التي يتحملها ذلـك الـعـظـم. وهـذا بدوره يقرر مساحة مقطع العظم ، وبالتالي وزن العظم. ولما كان وزن الحيوان يتناسب مع مكعب أبعاده الطولية ، بينما مساحة مقطع العظم تتناسب مـع مربع قطرها ، فان من الطبيعي أن يكون للحيـوانـات الـكـبـيـرة أرجـل أثـخـن واضخم من الحيوانات الـصـغـيـرة.. وعـلـى ذلـك فـان كـنـج كـونج الـذي زيـد حجمه  ١٠٠مرة عن الغوريلا العادية يصبح مليون مرة اثقل من وزن الغوريلا المعتاد ـ أي مكعب  ـ ١٠٠ ولكن أرجله لن تكون إلا عشرة آلاف مرة أقوى من المعتاد. ولذا فلا بد من أن تتحطم أرجله تحت ضغط ثقله وينهار. وسيزيد في سرعة ذلك أن العظام عادة تتعرض لضغوط أخرى ، غير الثقـل بـفـعـل الجاذبية ، كالثني والمشي أثناء الحـركـة... كـمـا لا بـد أن نـتـعـرض هـنـا إلـى نقطة هامة أخرى وهي حجم القلب.. فالقلب عادة يكون حـجـمـه أقـل مـن قدرته على دفع الدم إلى جميع أنحاء الجسم.. ويعتمد القلب لإتمام ذلـك على مطاطية الشرايين ومرونتها.. وزيادة كيلو جرام واحد في الوزن يحتم •و أوعية دموية جديدة بطول كيلو مترات عديدة ـ وهذا يولد ضغطا إضافيا على القلب ولعله السبب الرئيسي في أن الطب الحديث يعتبر السمنة علة خطرة... ـ وعلى ذلك فلو زاد حجم كنج كونج  ١٠٠ مرة فهذا يعني أن القلب قد زاد حجما  ١٠٠مرة ولكن وزن الجسم زاد مليون مرة وهذا يوقع القلـب تحت ضغط لا قبل له به ولن ˆكن للدم أن يصل إلى كل الأنـسـجـة مـهـمـا كانت مطاطية الشرايين.

وأسمح لنفسي في هذا المجـال بـاسـتـطـراد بـسـيـط لأقـول بـأنـنـي أرى، خلافا لما يراه بعض علماء الأحياء ، أن بـوسـع الحـشـرات أن تـزداد حـجـمـا مائة مرة.. ذلك أن الأسباب التي ذكرت آنفا بشأن كنج كونج لا تنطبق على الحشرات.. فالحشرات لا عظام فيها ـ أي ليس لها هيكل عظـمـي داخـلـي يتحمل ثقلها ـ. وقلبها ليس مضخة مركزية واحدة بل لها قلب في كل حلقة من حلقات جسمها وهذه القلوب متصلة ببعضها ولكنها تعمل بالتتابع وكل قلب مختص بحلقته ، كما أن قوة الحـشـرات كـبـيـرة جـدا إذا قـيـسـت بـقـوة القردة أو الإنسان... وسبب ذلك معروف من نظـام دمـهـا المـفـتـوح وإمـكـان وصول الهواء الجوي إلى الأنسجة مباشرة مما يسمح لها بالإفـادة مـن كـل الأكسجين الموجود في الهواء )حوالي ـ  %٢١ بينما الإنسان مثلا يستفيد من نسبة تبلغ حوالي  %٥ من أكسجين الهواء المتنفس. والأكسجين كما نعلم هو الذي يؤكسد الغذاء لإنتاج الطاقة. ولو كانت للإنسان قوة الحشرات لاستطاع أن يقفز كيلومترا على الأقل في قفزة واحدة. ومثل هذا ، لو كان ، يغير كثيرا من علاقات الإنسان بسكنه ومدنه ومجتمعه وآلاته وأدواته الخ..

لقد ذكرنا كل هذا لإيضاح مدى ارتبـاط حـجـم الإنـسـان ووزنـه بـحـجـم الأرض وجاذبيتها وان هذا الارتباط يتعدى الحجم بذاته إلـى الـتـأثـيـر فـي إدراك المفاهيم وصنع الأدوات واعتماد المقاييس والمعايير.



كما نود أن نذكر أنه من المفروض ضمن حدود معينة للجاذبية ـ في أي كوكب فيه حياة ـ أن يكون للحيوان هناك حجم أمثل وكتلة مثـلـى.. وهـنـاك سبب قوي يحمل على الاعتقاد بأن الإنسان هو الأمثل ـ حجما وكتلة ـ بالنسبة للجاذبية الأرضية .