التحفيز العميق للدماغ
على الرغم من أن نظرية الزمكان للوعي ربما تعطينا فكرة عن أصل المرض العقلي، فإنها لا تخبرنا كيف نخلق علاجات جديدة.
كيف سيتعامل العلم مع المرض العقلي في المستقبل؟ من الصعب التنبؤ بهذا الأمر، لأننا ندرك الآن أن المرض العقلي ليس صنفا واحدا، لكنه طيف كامل من الأمراض التي يمكن أن تصيب العقل بعدد محير من الطرق. الأكثر من ذلك، فإن علمُ المرض العقلي مازال في بداياته، وهناك مجالات واسعة لم تخت َبر ُ أو ت َسرح حتى الآن.
ُ لكن هناك طريقة جديدة تختبر الآن لمعالجة الألم المتواصل للناس الذين يعانون أحد أشهر أشكال الاضطراب العقلي وأكثرها تشبثا، الاكتئاب، الذي يصيب عشرين مليونا من الناس في الولايات المتحدة. يعاني 10 في المائة منهم نوعا من الاكتئاب غير القابل للعلاج، نوعا قاوم التطورات الطبية كلها . إحدى الطرق الواعدة والمباشرة لمعالجته تتمثل في غرس مجسات في أعماق مناطق محددة من الدماغ.
اكتشفت الدكتورة هيلين ميبرغ وزملاؤها مفتاحا لهذا الاضطراب حين كانت تجري بحوثا في المدرسة الطبية في جامعة واشنطن. باستخدام مسوحات الدماغ، ميزت منطقة من الدماغ تدعى منطقة برودمان 25 ( تدعى أيضا منطقة الحزام تحت الثفني subcallosal cingulate ) في القشرة الدماغية التي تكون باستمرار فائقة النشاط في الأفراد المصابين بالاكتئاب الذين لم تفلح معهم الأشكال الأخرى من العلاج جميعها.
استخدم هؤلاء العلماء التحفيز العميق للدماغ DBS في تلك المنطقة بحشر مجس صغير في الدماغ، وتطبيق صدمة كهربائية، تماما كما في جهاز تنظيم القلب. كان نجاح DBS مذهلا في معالجة اضطرابات مختلفة. في العقد الماضي، استخدم التحفيز العميق للدماغ DBS على أربعين ألف مريض بأمراض تتعلق بالتحريك، مثل الباركنسون والصرع، والتي تسبب حركات لا إرادية للجسم. أفاد ما بين 60 في المائة و ُ 100 في المائة من المرضى بحدوث تحسن مهم في التحكم بأيديهم المهتزة. يطبق أكثر من 250 مستشفى في الولايات المتحدة وحدها اليوم التحفيز العميق للدماغ.
لكن خطرت للدكتورة ميبرغ فكرة تطبيق التحفيز العميق للدماغ على منطقة برودمان 25 مباشرة لمعالجة الاكتئاب أيضا. عالج فريقها اثني عشر مريضا مصابين الاكتئاب السريري، ولم يظهروا أي تحسن بعد معالجة مديدة بالعقاقير والعلاج النفسي والعلاج بالصدمة الكهربائية.
اكتشفوا أن ثمانية من المرضى المصابين بالاكتئاب السريري تحسنوا مباشرة. كان نجاح الفريق مذهلا بحيث إن فرقا أخرى سارعت إلى استنساخ تلك النتائج، وتطبيق التحفيز العميق للدماغ على اضطرابات عقلية أخرى. في الوقت الحالي يطبق التحفيز العميق للدماغ DBS على خمسة وثلاثين مريضا في جامعة إيموري، وثلاثين في مؤسسات أخرى.
تقول الدكتورة ميبرغ : «في المرحلة الأولى ربط الاكتئاب بالعلاج النفسي - يناقش الناس هنا من هو المخطئ. في المرحلة الثانية كانت الفكرة هي أن هناك عدم توازن كيميائيا. نحن الآن في المرحلة الثالثة من فهم الاكتئاب. والمثير لاهتمام الجميع هو أنه بتحليل خلل معقد في السلوك إلى عناصره، تتولد لديك طريقة جديدة للتفكير فيه».
على الرغم من نجاح التحفيز العميق للدماغ الظاهر في معالجة الأفراد المكتئبين، فإن هناك حاجة إلى مزيد من البحث. أولا، ليس من الواضح سبب نجاح التحفيزّ العميق للدماغ. من المعتقد أنه يدمر المناطق المفرطة النشاط في الدماغ أو يعيق عملها (كما في باركنسون ومنطقة برودمان 25 ). ّ وبالتالي هو فعال فقط ضد أمراض ناجمة عن النشاط المفرط. وثانيا، هناك حاجة إلى تحسين دقة هذه الأداة. على الرغم من أن هذه المعالجة استخدمت لأنواع مختلفة من أمراض الدماغ، مثل ألم الأطراف الوهمي (عندما يشعر الشخص بالألم من عضو مقطوع)، متلازمة توريت Tourette واضطراب الوسواس القهري، فإن القطب المدسوس في الدماغ ليس دقيقا، وبالتالي يؤثر في عدة ملايين من العصبونات بدلا من التأثير في الحفنة مصدر المشكلة.
الزمن وحده كفيل بتحسين فاعلية هذا العلاج. باستخدام تقنية الميمس MEMS يمكن للمرء أن يصنع أقطابا ميكروية قادرة على تحفيز عدد معين من العصبونات فقط في وقت محدد. ربما تصنع التقنية النانوية أيضا مجسات عصبية نانوية بثخن جزيء واحد، كما في الأنابيب الكربونية النانوية. ومع ازدياد حساسية أجهزة الرنين المغناطيسي MRI ، لا بد أن تصبح قدرتنا على توجيه هذه الأقطاب إلى مناطق أكثر تحديدا من الدماغ أكثر دقة.
مصطلحات هامة
منطقة الحزام تحت الثفني subcallosal cingulate
التصوير بالرنين المغناطيسي MRI
توريت Tourette
النظم الكهروميكانيكية الصغرى micro-electro-mechanical systems MEMS
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية
على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر
هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
0 تعليقات