المجرم (7- من كتاب دمعة وابتسامة لجبران خليل جبران)

المجرم

       على قارعة الطريق قعد شاب مستعطيًا. فتى قويّ الجسم أضعفه الجوع فجلس في منعطف الشارع مادًّا يده نحو العابرين متسوّلاً مستغيثًا بالمحسنين، مردّدًا آيات انكساره، شاكيًا آلام جوعه.

       خيّم الليل وقد يبست شفتاه وكلّ لسانه ولم تزل يده فارغة مثل جوفه. فقام إذ ذاك وذهب إلى خارج المدينة وجلس بين الأشجار وبكى بكاءً مرًّا. ثمّ رفع نحو السماء عينين يغشاهما الدمع وقال والجوع يلقنه: يا ربّ قد ذهبت إلى الموسر أطلب عملاً، فطردت لرثاثة أثوابي، وطرقت باب المدرسة، فمنعت لفراغ يديّ. ورمت الاستخدام ولو بكفاف يومي، فأُبعدت لسوء طالعي. وأخيرًا سعيت متسوّلاً فرآني عبادك يا ربّ وقالوا هذا قويّ نشيط والإحسان لا يجوز على ابن التواني والكسل. قد ولدتني أمّي بإرادتك يا ربّ، وأنا كائن الآن بكيانك، فلماذا يمنع الناس الخبز عنّي وأنا طالب باسمك؟

       في تلك الدقيقة تغيّرت شحنة الرجل اليائس، فانتصب وقد لمعت عيناه كالشهب ثمّ اقتضب من الأغصان اليابسة نبوتًا ضخمًا وأشار به نحو المدينة وصرخ قائلاً: طلبت الحياة بعرق الجبين فلم أجدها، فسوف أحصل عليها بقوّة ساعدي. وسألت الخبز باسم المحبّة فلم يسمعني الإنسان، فسأطلبه باسم الشرّ وأستزيد منه...

       مرّت الأيّام والشابّ يقطع الأعناق من أجل الحصول على العقود، ويهدم هياكل الأرواح إن تصدّت لمطامعه. فنمت ثروته وعمّ بطشه وصار محبوبًا من لصوص القوم ومخيفًا لعقلائهم ثمّ انتدبه الأمير وكيلاً عنه في تلك المدينة شأن الأمراء بانتقاء ممثليهم.

       كذا يبتدع الإنسان من المسكين سفّاحًا باستمساكه، ومن ابن السلام قاتلاً ....