Ad Code

نظريات لتفسير أصل الذكاء تعود حتى إلى تشارلز داروين


أصل الذكاء

اقترحت نظريات عدة لتفسير سبب تطوير البشر لذكاء أكبر تعود حتى إلى تشارلز داروين.

وفق إحدى النظريات، ربما حدث تطور الدماغ البشري على مراحل، حيث بدأت المرحلة الأولى بالتغير المناخي في أفريقيا. مع ابتراد الطقس بدأت الغابات في الانحسار، مما أجبر أسلافنا على العيش في سهول مفتوحة وفي السهول العشبية حيث كانوا معرضين لوحوش مفترسة وعوامل مناخية. وللبقاء في هذه البيئة الجديدة المعادية، اضطروا إلى الصيد والمشي بقامة منتصبة حررت أيديهم وإبهاماتهم التي تستخدم الأدوات. يقدم هذا بدوره ميزة لدماغ أكبر لتنسيق عملية صنع الأدوات. وفق هذه النظرية، لم يصنعٍ  الإنسان القديم ببساطة أدوات – بل «الأدوات هي التي صنعت الإنسان».

لم يعمد أسلافنا إلى التقاط أدوات فجأة والتحول إلى أذكياء. كان العكس هو الصحيح. استطاع أولئك البشر الذين التقطوا أدوات أن يبقوا على قيد الحياة في المناطق العشبية، بينما انقرض أولئك الذين لم يستطيعوا ذلك تدريجيا. لذا فالبشر الذين بقوا على قيد الحياة وازدهروا في المناطق العشبية كانوا أولئك الذين أصبحوا خلال التحولاتَ  الجينية أكفاء بازدياد في صناعة الأدوات والتي تطلبت دماغا أكبر بازدياد.

ّ تركز نظرية أخرى على طبيعتنا الاجتماعية. يمكن للبشر أن ينسقوا بسهولة تصفات أكثر من مائة شخص آخر يعملون بالصيد أو الزراعة أو الاقتتال أو البناء، وهي مجموعات أكبر بكثير من تلك الموجودة لدى القردة العليا. أعطى هذا البشر ميزة على بقية الحيوانات. يتطلب الأمر دماغا أكبر، وفق هذه النظرية، للتمكن من تقويم تصفات أفراد كثيرين والتحكم فيها (الجانب الآخر من هذه النظرية هو أن الأمر يتطلب دماغا أكبر كي تخطط وترسم وتخدع وتتحكم في كائنات ذكية أخرى في قبيلتك. ويمتلك الأفراد الذين يستطيعون فهم الآخرين ودوافعهم ثم يستغلونها ميزة على الآخرين الذين لا يستطيعون ذلك. هذه هي النظرية المكيافيلية في الذكاء).

تحاجج نظرية أخرى بأن تطور اللغة الذي جاء لاحقا ساعد في تسريع صعود الذكاء. مع اللغة يأتي التفكير المجرد، والقدرة على التخطيط وتنظيم المجتمع وصنع الخرائط... إلخ. يمتلك البشر قاموسا ضخما لا يماثله أي حيوان آخر بكلمات تعد بعشرات الآلاف للشخص العادي. وباللغة يستطيع البشر التنسيق وتركيز الأنشطة لعدد من الأفراد والتحكم أيضا في الأفكار والمبادئ المجردة. عنت اللغة أن بإمكانك إدارة فرق من الناس أثناء الصيد، وهذه ميزة كبيرة عندما تطاردّ  ماموثا يغطيه الصوف. عنى هذا أن بإمكانك أن تخبر آخرين أين يتوافر الصيد أو أين يكمن الخطر.

مع ذلك، فالنظرية الأخرى هي «الانتقاء الجنسي»، وهي الفكرة بأن الإناث تفضل التزاوج مع الذكور الأذكياء. في مملكة الحيوان، كمجموعة من الذئاب مثلا، يضمّ  الذكر المتفو ّ ق المجموعة بعضها مع بعض بقوته الوحشية. ويقاوم أي تحد له بشكل قوي بالأسنان والأظافر. لكن منذ ملايين السنين، ومع تطور البشر تدريجيا في الذكاء، لم تستطع القوة وحدها أن تحفظ القبيلة بعضها مع بعض. يستطيع أي شخص بالمكر والذكاء أن يكمن ويكذب ويغش أو يشكل أحزابا ضمن القبيلة للإيقاع بالذكر المهيمن. بالتالي لن يكون الجيل الجديد من الذكور المهيمنين بالضرورة هم الأقوى بدنيا. مع الوقت سيصبح الزعيم هو الأذكى والأكثر خداعا. ربما كان هذا هو السبب وراء اختيار الإناث للذكور الأذكياء (ليس بالضرورة أذكياء بالمعنى الشائع، لكنهمّ  أذكياء بالمعنى العملي). سرع الانتقاء الجنسي بدوره تطورنا لنصبح أذكياء. لذا في هذه الحالة كانت الإناث اللاتي اخترن ذكورا يخططون ويتزعمون قبيلتهم ويتفوقون على ذكور آخرين - وهذه تتطلب أدمغة أكبر - هن المحرك وراء توسع أدمغتنا.



هذا مجرد عدد قليل من النظريات حول أصل الذكاء، ولكل نظرية منها مؤيدوها ومعارضوها. يبدو أن الموضوع المشترك هو القدرة على تمثيل المستقبل. على سبيل المثال، فإن هدف الزعيم هو اختيار المسار الصحيح لقبيلته في المستقبل. هذا يعني أن على أي زعيم أن يفهم نوايا الآخرين من أجل أن يخطط الإستراتيجية للمستقبل. بالتالي فتمثيل المستقبل ربما كان إحدى القوى الدافعة وراء تطور دماغنا الكبير وذكائنا. والشخص الذي يمكنه تمثيل المستقبل بشكل أفضل هو الذي يمكنه التخطيط والتصميم وقراءة أفكار العديد من أفراد قبيلته، وكسب سباق التسلح مع منافسيه.

بالمثل تسمح اللغة لك بتمثيل المستقبل. تمتلك الحيوانات لغة أولية، لكنها بشكل رئيس في صيغة الحاضر. ربما تحذرها لغتها من تهديد وشيك، كوجود حيوان مفترس مختبئ بين الأشجار. لكن من الواضح أن لغة الحيوان ليس فيها فعل ماض أو فعل مستقبلي. لا تصف الحيوانات أفعالها. لذا ربما كانت القدرة على التعبير بصيغة الماضي والمستقبل اختراقا رئيسا في عملية تطور الذكاء.

يكتب الدكتور دانيل غيلبرت، وهو عالم نفس من جامعة هارفارد، «لمئات ملايين السنين القليلة الأولى بعد ظهورها الأولي على كوكبنا، علقت أدمغتنا في الحاضر المستمر، ومازال معظم الأدمغة يعمل كذلك اليوم. لكن ليس دماغك أو دماغي، لأن أسلافنا منذ مليونين أو ثلاثة ملايين سنة بدأوا بهروب كبير من هنا والآن...».



نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu