Ad Code

قردة وجينات وعباقرة


قردة وجينات وعباقرة

تركز بحث الدكتورة بولارد على مناطق في جينومنا نشترك فيها مع الشمبانزي لكنها خامدة. من الممكن أيضا أن تكون هناك مناطق في جينومنا موجودة في البشر فقط، ومستقلة عن القردة. اكتشف مثل هذا الجين أخيرا، في نوفمبر 2012 . عزل علماء يقودهم فريق في جامعة إدنبرة الجين RIM-941 ، وهو الجين الوحيد الذي وجد في الإنسان العاقل حصرا، وليس في القردة العليا الأخرى. وأيضا يستطيع العلماء البرهان على أن هذا الجين ظهر منذ مليون إلى ستة ملايين سنة (الوقت الذي انفصل فيه البشر عن الشمبانزي منذ نحو ستة ملايين سنة).



لسوء الحظ أطلق هذا الاكتشاف أيضا عاصفة ضخمة في الصحف والمدوناتّ  العلمية مع بروز عناوين مضللة. ظهرت مقالات باهرة تدعي أن العلماء اكتشفوا جينا واحدا يمكنه، من حيث المبدأ، أن يجعل الشمبانزي ذكيا. صرخت العناوين الرئيسة بأن فحوى «الإنسانية» قد عزل أخيرا على المستوى الجيني.

ّ سرعان ما تدخل علماء مشهورون وحاولوا تهدئة الأمور. من المحتمل أن سلسلة من الجينات التي تعمل بعضها مع بعض بطرق معقدة هي المسؤولة عن الذكاء البشري. ولا يمكن لجين واحد أن يجعل الشمبانزي فجأة بذكاء الإنسان، كما قالوا.

على الرغم من المبالغة في هذه العناوين العريضة فإنها أثارت السؤال الجاد: ما مدى واقعية كوكب القردة؟

هناك سلسلة من التعقيدات. إذا عدلت جينات  HAR1 و ASPM بحيث يتوسع حجم دماغ الشمبانزي وبنيته فجأة، فيجب تعديل جينات أخرى أيضا. أولا عليك أنّ  تقوي عضلات رقبة الشمبانزي، وزيادة حجم جسده لدعم الرأس الأكبر. لكن الدماغ الأكبر سيكون بلا فائدة ما لم تستطع التحكم في أصابع قادرة على استغلال الأدوات. لذا يجب تغيير جين  HAR2 لزيادة مرونتها. لكن بما أن الشمبانزي تمشي غالبا علىّ  يديها، فيجب تغيير جين آخر بحيث يستقيم العمود الفقري، وبحيث يحرر الوضع المنتصب اليدين. الذكاء أيضا بلا فائدة ما لم تستطع الشمبانزي التواصل مع أعضاء آخرين من الصنف نفسه. لذا يجب تغيير الجين  FOX2 أيضا بحيث يصبح الكلام المشابه لكلام البشر ممكنا. وأخيرا، لو أردت أن تخلق صنفا من القردة الذكية، عليكّ  أن تعدل قناة الولادة، بما أنها ليست واسعة بما يكفي للتعامل مع جمجمة أضخم. يمكنك إما إجراء عملية قيصية لقطع الحبل السري خارج الجسم، أو أن تغ ّير جينيا قناة الولادة للشمبانزي لتتسع للدماغ الأكبر.

بعد هذه التعديلات الجينية الضرورية كلها، سنكون مع مخلوق يبدو مثلنا إلى حد بعيد. بكلمات أخرى، ربما كان من الممكن تشريحيا خلق قردة ذكية كما في الأفلام ولكن من دون أن تتحول أيضا إلى شيء يشبه كثيرا البشر.

إذن من الواضح أن خلق قردة ذكية ليس مسألة سهلة. فالقردة الذكية التي نراها في أفلام هوليوود هي في الحقيقة هياكل قردة ببشر داخلها، أو هي صور مصنوعة حاسوبيا، بحيث تهمل هذه القضايا كلها بشكل ملائم. لكن لو استطاع العلماء بجد استخدام المعالجة الجينية لخلق قردة ذكية، فلربما تكون مماثلة لنا بيدين يمكنهما استخدام الأدوات، وبكلمات ملفوظة يمكنها صنع الكلام، وبأعمدة فقرية يمكنها دعم الوضع المنتصب، وبعضلات رقبية ضخمة لدعم رؤوس أكبر كما هي لدينا.

يثير هذا كله قضايا أخلاقية أيضا. وعلى الرغم من أن المجتمع قد يسمح بدراسات جينية للقردة، غير أنه قد لا يتحمل اللعب بمخلوقات ذكية يمكنها أن تحس بالألم والكآبة. هذه المخلوقات، بعد كل شيء، ستكون ذكية وفصيحة بما يكفي لتشتكي حول وضعها ومصيرها، وسيسمع صوتها في المجتمع.

ليس من المستغرب أن يكون هذا المجال من الأخلاق الحيوية جديدا جدا بحيث إنه لم يختبر تماما. ليست التقنية جاهزة حتى الآن، لكن مع تمييزنا للجينات التي تفصلنا عن القردة ولوظائفها في العقود المقبلة، فسيصبح التعامل مع هذه الحيوانات المطورة موضوعا رئيسيا.

يمكننا رؤية أنها مسألة وقت فقط قبل أن تسلسل الاختلافات الجينية الضئيلة كلها التي تفصلنا عن الشمبانزي بعناية وتحلل وتفسر. لكن مايزال هذا لا يفسر سؤالا أعمق: ما القوى التطورية التي أعطتنا هذا الإرث الجيني بعد انفصالنا عن القردة؟ لماذا تطورت جينات لدينا مثل  ASPM و HAR1 و FOX2 في المقام الأول؟ّ  بكلمات أخرى، يقدم علم الجينات لنا القدرة على فهم كيف أصبحنا أذكياء، لكنه لا يفسر لماذا حدث ذلك.

لو استطعنا فهم هذه القضية، فلربما تقدم أدلة على كيف يمكننا التطور في المستقبل. يأخذنا هذا إلى لب الجدل القائم: ما أصل الذكاء؟



نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu