Ad Code

حالة هنري موليسون HM أفادت أن الذكريات لا ترتبط مكانيا بل زمانيا


كيف نتذكر؟

مثل فينياس غيج، فإن الحالة الغريبة لهنري موليسون، المعروف في المراجع العلمية ببساطة بـ  HM، خلقت حماسا في حقل علم الأعصاب قاد إلى الاختراقات الأساسية في فهم أهمية الحصين في تشكيل الذكريات.

في سن التاسعة عانى  HM من إصابات في الرأس إثر حادث سبب له اضطراباتِ  مقعدة. في العام  1953، عندما كان في سن الخامسة والعشرين، أجريت له عملية جراحية نجحت في التخفيف من أعراضه. لكن مشكلة أخرى ظهرت لأن الجراحين قطعوا بالخطأ جزءا من الحصين. في البداية، بدا  HM عاديا، لكن أصبح من الواضح بعد وقت قصير أن شيئا سيئا جدا قد حدث له؛ لم يعد يستطيع الاحتفاظ بذكريات جديدة. بدلا من ذلك عاش باستمرار في الماضي، محييا الأشخاص أنفسهم عدة مرات في اليوم وبالتعبيرات نفسها، كأنه يراهم للمرة الأولى. كل ما ذهب إلى ذاكرته بقي هناك دقائق فقط قبل أن يختفي. ومثل بيل موراي في فيلم «يوم جرذ الأرض»  Growndhog Day، قدر على  HM أن يعود ليعيش اليوم نفسه، مرة بعد أخرى، لبقية حياته، لكن على العكس من شخصية بيل موراي لم يكن باستطاعته تذكر الإعادات السابقة. بقيت ذاكرته على المدى البعيد على الرغم من ذلك سليمة، وكان يستطيع تذكر حياته قبل إجراء العملية. لكن من دون حصين عامل، كان  HM غير قادر على تسجيل خبراته. على سبيل المثال، كان يرتعب إذا نظر في المرآة لأنه كان سيرى وجه رجل طاعن في السن بينما يعتقد أنه مازال في سن الخامسة والعشرين. لكن لحسن الحظ، ذكرى رعبه ستتلاشى بسرعة هي أيضا في الضباب. بمعنى آخر، كان  HM مثل حيوان بمستوى  2 من الوعي، غير قادر على تذكر الماضي القريب وتمثيل المستقبل. ومن دون حصين عامل، انحدر من المستوى  3 للوعي إلى المستوى 2.

اليوم أعطتنا تطورات أخرى في علم الأعصاب أوضح صورة حتى الآن عن كيفيةّ  تشكل الذكريات وتخزينها، ومن ثم استدعائها. يقول الدكتور ستيفن كوسلين عالم الأعصاب في هارفارد: «لقد جاءت كلها خلال السنوات القليلة الماضية بفضل تطورين تقنيين: تقنية الحواسيب، وتقنية مسح الدماغ الحديثة».

كما نعلم، يجب أن تمر المعلومات الحسية (كالرؤية واللمس والتذوق) من خلال جذع الدماغ إلى المهاد، الذي يعمل كمحطة توزيع، بحيث توجه الإشارات إلى الفصوص الحسية المختلفة للدماغ ليجري هناك تقييمها. تصل البيانات المعالجة فيّ  الفصوص إلى القشرة أمام الجبهية حيث تدخل وعينا وتشكل ما نعتبره ذاكرتنا على المدى القصير، حيث تتراوح بين بضع ثوان وعدة دقائق .

لتخزين هذه المعلومات فترة أطول يجب أن تمر المعلومات بعد ذلك خلال الحصين، حيث تصنف الذكريات إلى أصناف مختلفة. وبدلا من تخزين الذكريات كلها في منطقة واحدة من الدماغ، كما يحدث في جهاز تسجيل أو قرص صلب، يعيد الحصين توجيه الأجزاء إلى القشريات المختلفة (تخزين الذكريات بهذه الطريقة في الحقيقة أكثر فاعلية من تخزينها بشكل متسلسل كما في المسجلة. لو كانت الذاكرة البشرية تخزن الذكريات بالتسلسل، مثل شريط الحاسوب، فإن هناك حاجة إلى قدر هائل من الذاكرة للتخزين. وفي الحقيقة، قد تتبنى أنظمة التخزين الرقمية في المستقبل هذه الحيلة من الدماغ الحي، بدلا من تخزين ذكريات بكاملها على التسلسل). على سبيل المثال تخزن الذكريات العاطفية في اللوزة، غير أن الكلمات تخزن في الفص الصدغي، بينما تجمع معلومات الألوان والبيانات المرئية الأخرى في الفص القذالي، ويقبع حس اللمس والحركة في الفص الجداري. ميز العلماء حتى الآن أكثر من عشرين صنفا من الذكريات تخزن في مناطق مختلفة من الدماغ بما في ذلك الفواكه والخضراوات، والنباتات، والحيوانات، وأعضاء الجسم، والألوان، والأعداد، والحروف، والأسماء، والأفعال، والأسماء الصحيحة، والوجوه، وتعبيرات الوجه، والعواطف، والأصوات المختلفة.



ذكرى واحدة - كالمشي في حديقة، مثلا - تشمل معلومات تقسم وتخزن في مناطق مختلفة من الدماغ، لكن إعادة تذكر جزء من هذه الذكرى (كرائحة العشب المقصوص حديثا) ترسل فورا إلى الدماغ لجمع الأجزاء بعضها مع بعض لتشكل مجموعة متماسكة. لذا فالهدف النهائي من البحث في الذاكرة هو معرفة كيفية إعادة تجميع هذه الأجزاء المتفرقة عند تذكر خبرة ما. تدعى هذه «مشكلة الربط، ويمكن أن يفسر حلها العديد من النواحي المحيرة في الذاكرة. على سبيل المثال، حلل الدكتور أنطونيو داماسيو مرضى السكتات الدماغية الذين يفشلون في تمييز ذكريات معينة، حتى إن كانوا قادرين على استذكار كل شيء آخر، لأن السكتة أثرت علىّ  منطقة واحدة معينة فقط من الدماغ، حيث خزنت تلك الذكرى.

تصبح مشكلة الربط أكثر تعقيدا لأن ذكرياتنا وخبراتنا شخصية للغاية. ربما عدلت الذكريات لتناسب الشخص، بحيث لا تتطابق أصناف ذكريات شخص ما مع أصناف ذكريات شخص آخر. متذوقو الخمر على سبيل المثال ربما كانت لهم أصناف عدة لتمييز الاختلافات الدقيقة في المذاق، بينما قد يمتلك الفيزيائيون أصنافا أخرى لمعادلات معينة. فالأصناف بعد هذا كله هي نواتج ثانوية للخبرة، وبالتالي قد يمتلك أشخاص مختلفون أصنافا مختلفة.

يستخدم حل مبتكر لمشكلة الربط حقيقة وجود اهتزازات كهرطيسية تهتز عبر الدماغ بأكمله عند نحو أربعين دورة في الثانية، يمكن التقاطها بواسطة مسوحات الـ EEG . ربما يهتز جزء من الذاكرة عند تردد دقيق جدا، ويحرض جزءا آخر من الذاكرة مخزنا في منطقة بعيدة من الدماغ . ُ في السابق، اعتقد أن الذكريات ربما تخزن فيزيائيا متقاربة بعضها من بعض، غير أن هذه النظرية الجديدة تقول إن الذكريات لا ترتبط مكانيا بل زمانيا، بالاهتزاز بتردد واحد. لو أن هذه النظرية صحيحة، فهذا يعني أن هناك اهتزازات كهرطيسية تتدفق باستمرار خلال الدماغ بأكمله، رابطة مناطق مختلفة منه، وبالتالي معيدة تشكيل ذكريات كاملة. وبذلك فإن التدفق المستمر للمعلومات بين الحصين والقشرة أمام الجبهية والمهاد والقشرات المختلفة ربما لا يكون عصبيا بحتا. بعض هذا التدفق ربما يكون على شكل رنين أو صدى عبر بنى دماغية مختلفة.

مصطلحات هامة

المسح الكهربائي EEG
هنري موليسون HM
يوم جرذ الأرض  Growndhog Day


نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu