تسجيل ذاكرة
للأسف مات HM في العام 2008 عند سن الثانية والثمانين، قبل أن يستفيد من بعض النتائج المدهشة التي حققها العلم: القدرة على صنع حصين اصطناعي ثم حشر ذكريات فيه. هذا شيء من أدب الخيال العلمي مباشرة، غير أن العلماء في جامعتي ويك فورست وكارولينا الجنوبية حققوا إنجازا تاريخيا عندما استطاعوا تسجيل ذاكرة فأر وتخزينها رقميا في حاسوب. كانت هذه تجربة للبرهنة على مبدأ أن حلم تنزيل ذكريات على الدماغ ربما يصبح حقيقة واقعة يوما ما.
في البداية تبدو مجرد فكرة تنزيل ذكريات على الدماغ حلما مستحيلا، لأنه كما رأينا تخلق الذكريات بمعالجة عدد من الخبرات الحسية، وتخزن بعد ذلك في أماكن عدة في قشرة الدماغ الجديدة ( Neocortex) والجهاز الحوفي. لكن كما نعلم من HM، هناك مكان واحد تمر منه الذكريات كلها، وتحول إلى ذكريات على المدى البعيد: الحصين. يقول رئيس الفريق الدكتور ثيودور بيرغر من جامعة جنوب كاليفورنيا «إن لم تستطع فعلها في الحصين، فلن تستطيع أن تفعلها في أي مكان آخر».
بدأ العلماء في جامعتي ويك فوريست وجنوب كاليفورنيا أولا بملاحظة حصلوا عليها من مسوحات الدماغ، وهي وجود مجموعتين من العصبونات على الأقل في حصين الفأر، دعيتا CA1 وCA3 ، تتواصلان كلاهما مع الآخر عند تعلم كل مهمة جديدة. بعد تدريب الفأر على كبس قضيبين، الواحد بعد الآخر، من أجل الحصول على الماء، راجع العلماء ما اكتشفوه وحاولوا فك شفرة هذه الرسائل التي بدت محبطة في البداية، لأن الإشارات بين هاتين المجموعتين من العصبونات لم تتبع نمطا معينا. لكن بمراقبة الإشارات ملايين المرات استطاعوا في النهاية تحديد التحريض الكهربائي الذي يخلق استجابة خارجة. وباستخدام مجسات وضعت في حصين الفأر استطاع العلماء تسجيل الإشارات بين CA1 و CA3 عندما تعلم الفأر كبس القضيبين على التسلسل.
ثم حقن العلماء الفأر بمادة كيميائية معينة جعلته ينسى المهمة. وأخيرا، أعادوا إدخال الذكرى إلى دماغ الفأر نفسه. بصورة مدهشة، عادت ذكرى المهمة، واستطاع الفأر إعادة إنتاج المهمة الأصلية بنجاح. أساسا، صنعوا حصينا اصطناعيا لديه القدرة على نسخ ذاكرة رقمية «أدر المفتاح يصبح لدى الحيوان ذاكرة؛ أغلقه يفقدها» . يقول الدكتور بيرغر «إنها خطوة مهمة جدا، لأنها المرة الأولى التي نفهم فيها الأمر بمجمله».
ّ وكما قال جويل ديفيس من مكتب رئيس العمليات البحرية، التي مولت هذا البحث: «إن استخدام أجهزة مزروعة لتحسين الكفاءة قادم. إنها مسألة وقت فقط».
ليس من المستغرب أن تنطلق هذه البحوث بسرعة كبيرة جدا، نظرا إلى أهميتها . في العام 2013 حصل اختراق آخر، هذه المرة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT من قبل علماء استطاعوا ليس فقط زرع ذكريات عادية في الفأر، بل زرعوا ذكريات زائفة أيضا. وهذا يعني أنه قد تزرع يوما ما في الدماغ ذكريات حوادث لم تحدث قط، وسيكون لهذا تأثير عميق في مجالات التعليم والتسلية.
استخدم علماء MIT تقنية دعيت الجينات الضوئية (التي سنناقشها أكثر في الفصل الثامن)، والتي تسمح لك بتسليط ضوء على عصبونات معينة من أجل تنشيطها. باستخدام هذه الطريقة القوية، يمكن للعلماء أن يحددوا العصبونات المسؤولة عن ذكريات معينة.
لنفترض أن فأرا يدخل غرفة ما ويصاب بصدمة. يمكن في الحقيقة عزل العصبونات المسؤولة عن ذكرى هذه الحادثة المؤلمة، وتسجيلها بتحليل الحصين. ثم يوضع الفأر في غرفة مختلفة تماما من دون أن يصاب بأي أذى على الإطلاق. وبتسليط الضوء على ليف بصري، يمكن للمرء أن يستخدم الجينات الضوئية لتنشيط ذكرى الصدمة، وهنا يظهر الفأر استجابة الخوف ذاتها، على الرغم من أن الغرفة الثانية آمنة تماما.
بهذه الطريقة استطاع علماء MIT ليس فقط زرع ذكريات عادية، بل زرعوا أيضا ذكريات لحوادث لم تحدث قط. ربما تعطي هذه التقنية هوليوود يوما ما شكلا جديدا تماما من التسلية.
مصطلحات هامة
هنري موليسون HM
قشرة الدماغ الجديدة Neocortex
معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
0 تعليقات