النانوبوت - حقيقة أم خيال؟

فلسفتي الشخصية هي أنه لو اتسق شيء ما مع قوانين الفيزياء، فسيصبح تحقيقه مسألة هندسية واقتصادية. قد تكون العوائق الهندسية والاقتصادية هائلة بالطبع، مما يجعله غير عملي في الحاضر، لكنه لايزال على الرغم من ذلك ممكنا.

ظاهريا فإن النانوبوت بسيط: آلة ذرية لها أذرع وملاقط تلتقط الجزيئات وتقطعها عند نقاط معينة، ثم تعيد تجميعها. بقص الذرات المختلفة ولصقها، يمكن للنانوبوت أن يصنع أي جزيء معروف، مثل ساحر يسحب شيئا من القبعة. يمكنه أيضا أن يتكاثر، لذا من الضروري صنع نانوبوت واحد فقط. هذا النانوبوت سيأخذ المادة الأولية، ويلتهمها، ويخلق ملايين النانوبوتات الأخرى. يمكن أن يطلق هذا ثورة صناعية ثانية، مع ارتفاع كلفة مواد البناء. يوما ما قد يكون لكل منزل مجمعه الجزيئي الخاص، بحيث تحصل على أي شيء تريده بمجرد الطلب.

لكن السؤال الرئيس هو: هل يتسق النانوبوت مع قوانين الفيزياء؟ في العام 2001 وصل رائدان عمليا إلى حد العراك بالضرب حول هذا السؤال الحرج. على المحك لم يكن هناك أقل من رؤية لمستقبل التقنية بأكملها. على أحد الطرفين كان الراحل ريتشارد سمولي، حامل جائزة نوبل في الكيمياء المشكك في النانوبوت. على الطرف الآخر كان هناك إيريك دريكسلر، أحد الآباء المؤسسين للتقنية النانوية. دارت معركتهما على صفحات عدة مجلات علمية من العام  2001 حتى العام 2003 .



قال سمولي إنه على المستوى الذري، تظهر قوى كمومية جديدة تجعل النانوبوتات مستحيلة. الخطأ الذي فعله دريكسلر وآخرون، كما ادعى، هو أن النانوبوت بملاقطه وأذرعه لا يمكنه العمل على المستوى الذري. هناك قوى جديدة (مثل قوة كاسيمير Casimir) التي تسبب نفور الذرات أو تجاذبها بعضها مع بعض. دعا هذه مشكلة «الأصابع الثخينة اللاصقة»، لأن أصابع النانوبوت ليست لاقطات وكماشات ناعمة ودقيقة. القوى الكمومية تقف في طريقها، لذا فالعملية مثل محاولة لحام معادن بعضها مع بعض وأنت ترتدي قفازات بثخن عدة بوصات. أكثر من ذلك، في كل مرة تحاول لحام قطعتين من المعدن كل منهما مع الأخرى، فإن هذه القطع إما أن تتنافر، وإما أن تلتصق بك، بحيث لا يمكنك أبدا التقاط واحدة منها بشكل صحيح.

لكن دريكسلر رد على ذلك قائلا بأن النانوبوتات ليست من الخيال العلمي – فهي توجد بالفعل. فكر في الريبوسومات في جسمنا. إنها ضرورية في خلق جزيئات الدنا وصهرها. يمكنها قص جزيئات الدنا ولصقها عند نقاط معينة، مما يجعل من الممكن خلق شرائط دنا جديدة.

لكن سمولي لم يكن مقتنعا، ذاكرا أن الريبوسومات ليست آلات لجميع الأغراض يمكنها قص أي شيء ولصقه، إنها تعمل خصيصا على جزيئات الدنا. والأكثر من ذلك، فالريبوسومات مواد عضوية تحتاج إلى إنزيمات لتسريع التفاعل، والذي يحدث في بيئة مائية فقط. الترانزيستورات مصنوعة من السيليكون وليس من الماء، لذا فهذه الإنزيمات لن تعمل مطلقا كما استنتج. لكن دريكسلر من جهته ذكر أن الوسائط يمكنها أن تعمل حتى من دون ماء. دار هذا السجال الساخن جيئة وذهابا خلال عدة جولات. في النهاية مثل محاربين متكافئين، استنفد الفريقان قواهما. اعترف دريكسلر بأن المقارنة مع عمال بمقصات وشمعات لحام كان مبسطا جدا، وأن القوى الكمومية قد تعترض الطريق أحيانا. لكن سمولي أقر بأنه غير قادر على تسجيل ضربة قاضية. للطبيعة على الأقل طريقة واحدة لتجنب مشكلة «الأصابع الغليظة اللاصقة،» بواسطة الريبوسومات، وربما هناك طرق أخرى خفية ومعقدة أيضا.

بغض النظر عن تفاصيل هذا النقاش، إلا أن كورزويل مقتنع بأن هذه النانوبوتات، سواء أكانت تمتلك أصابع غليظة ولاصقة أم لا، سوف تشكل يوما ما ليس الجزيئات فقط، لكن المجتمع نفسه. لخص رؤيته عندما قال: «لا أخطط للموت... أراه في النهاية استيقاظا للكون بكامله. أعتقد أن الكون كله الآن مصنوع من مادة صماء وطاقة، وأعتقد أنه سيستيقظ يوما ما. لكن إذا كان سيتحول إلى هذه المادة الذكية الراقية وإلى طاقة فإنني آمل أن أكون جزءا من ذلك».

على الرغم من غرابة هذه التخمينات فإنها مقدمة فقط للقفزة التالية في التخمين. ربما لن يكون العقل يوما ما حرا من الجسم المادي فقط، ولكنه سيكون أيضا قادرا على استكشاف الكون كمخلوق من طاقة بحتة. الفكرة بأن الوعي سيكون يوما ما حرا يتجول بين النجوم هي الحلم النهائي. ومع غرابة هذا الحلم، فإنه ينسجم مع قوانين الفيزياء.

مصطلحات هامة

كاسيمير Casimir




نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.