بناء دماغ
ّ مثل الأطفال الآخرين، كنت أحب تفكيك الساعات مسمارا فمسمارا، ثم تعلم كيف تتركب الأجزاء كلها بعضها مع بعض. كنت أتابع كل جزء عقليا، بالنظر إلى كيف يتصل كل مسنن بالمسنن الآخر، حتى ينتظم الجميع بعضه مع بعض. أدركت أن النابض الرئيس يدير المسنن الرئيس، والذي يغذي بعد ذلك سلسلة من المسننات الأصغر، والتي تدير في النهاية عقارب الساعة.
اليوم، على مستوى أكبر بكثير، يحاول علماء الحاسوب والأعصاب تفكيك جسم أكثر تعقيدا، أكثر الأجسام تعقيدا وتطورا في الكون: الدماغ البشري. والأكثر من ذلك، أنهم يريدون إعادة تركيبه عصبونا فعصبونا.
وبسبب التطورات السريعة في مجال الأتمتة والإنساليات والتقنية النانونية وعلم الأعصاب، لم تعد الهندسة العكسية للدماغ مجرد مادة للمزاح المهذب بعد تناول العشاء. في الولايات المتحدة وأوروبا، ستتدفق مليارات الدولارات قريبا على مشاريع اعتبرت فيما مضى محرمة. تكرس عصبة صغيرة من العلماء الرواد اليوم حياتهم المهنية لمشروع ربما لن يعيشوا ليروا نهايته. وغدا، ربما تنمو صفوفهم لتشكل جيشا بكامله، يمول بسخاء من الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
لو نجحوا فسوف يغير هؤلاء العلماء مسار التاريخ البشري. لن يعثروا فقط على علاجات وأدوية جديدة للأمراض العقلية، بل ربما يفكون سر الوعي، وربما يحملونه على حاسوب.
إنها مهمة شاقة. يتكون الدماغ البشري من أكثر من مائة مليار عصبون، تقريبا بعدد النجوم في مجرة درب التبانة. وكل عصبون موصول بدوره بعشرات الآلاف من العصبونات الأخرى، لذا هناك في المحصلة 10 ملايين مليار اتصال محتمل (وهذا من دون حساب عدد الممرات بين هذه الشبكة من العصبونات). لذا فإن عدد «الأفكار» التي يمكن للدماغ البشري أن يدركها هائلة حقا، وهي فوق التصور البشري.
مع ذلك، لم يوقف هذا عصبة صغيرة من العلماء المخلصين بشدة عن محاولة إعادة بناء الدماغ من لا شيء. هناك مثل صيني معروف «رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة». لقد اتخذت هذه الخطوة الأولى عندما فكك العلماء عصبونا فعصبونا النظام العصبي لدودة نيماتود (الدودة الأسطوانية). هذه المخلوقة الضئيلة التي تدعى C.elegans لديها 302 عصبون و 7000 شبكة، سجلت جميعها. يمكن الحصول على مخطط كامل لنظامها العصبي على الإنترنت (إلى يومنا هذا، لاتزال العضوية الحية الوحيدة التي فكك نظامها العصبي بكامله بهذه الطريقة).
اعتقد في البداية أن الهندسة العكسية الكاملة لهذه العضوية البسيطة ستفتح الباب للدماغ البشري. لكن العكس هو الذي حدث. على الرغم من أن عدد العصبونات لهذه الدودة محدود، فإن الشبكة مازالت معقدة ومتطورة جدا، بحيث استغرق الأمر سنوات لفهم حتى الحقائق البسيطة بشأن تصرف الدودة، مثل معرفة الممرات المسؤولة عن أي تصرف. وإذ كان من الصعب على العلماء فهم دماغ الدودة علميا، فقد اضطروا إلى الاعتراف بمدى تعقيد الدماغ البشري.
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
0 تعليقات