Ad Code

ثلاث مقاربات للتمثيل الجزئي للدماغ عصبونا فعصبونا


ثلاث مقاربات للدماغ

لأن الدماغ معقد جدا، هناك على الأقل ثلاث طرق محددة يمكن بواسطتها فكه عصبونا فعصبونا. الأولى هي تمثيل الدماغ إلكترونيا بحواسب فائقة، وهو المنحى الذي اختاره الأوروبيون. والثانية هي مسح الممرات العصبونية للدماغ الحي، كما في مشروع «برين» (يمكن تقسيم هذه المهمة أكثر بحسب كيفية تحليل هذه العصبونات - إما آليا عصبونا فعصبونا، أو بحسب الوظيفة أو النشاط). وفي الثالثة يمكن للمرء أن يفك شفرة الجينات التي تتحكم في تطور الدماغ، وهو منحى تبناه الملياردير بول آلن من مايكروسوفت.

الاتجاه الأول، وهو تمثيل الدماغ باستخدام الترانزيستورات والحاسبات، يسير قدما عن طريق الهندسة العكسية لأدمغة حيوانات بحسب تسلسل معين: فأر أولا، ثم يربوع ثم أرنب ثم قطة. يتبع الأوروبيون الأثر الوعر لمسار التطور، بادئين بالأدمغة الأبسط ومرتقين نحو الأعقد. بالنسبة إلى عالم حاسوبي، فالحل هو قدرة حاسوبية بحتة – كلما كانت أكبر كانت أفضل. ويعني هذا استخدام بعض أقوى الحاسبات في العالم لفك شفرة أدمغة الفئران والبشر.

كان هدفهم الأول هو دماغ الفأر، والذي هو بحجم واحد على ألف من حجم الدماغ البشري، ويحتوي على نحو مائة مليون عصبون. تحلل عملية التفكير لدماغ فأر بواسطة حاسوب بلوجين لشركة  IBM الموجود في مختبر لورانس ليفارمور الوطني في كاليفورنيا، حيث توجد بعض أكبر الحواسب في العالم. ويستخدم لتصميم رؤوس هيدروجينية للبنتاغون. هذه المجموعة الهائلة من الترانزيستورات والشرائح والأسلاك تحتوي على  147456 معالجا بذاكرة مذهلة تبلغ  150 ألف غيغابايت (يحتوي الحاسوب الشخصي النموذجي على معالج واحد وعدة غيغابايت من الذاكرة).

كان التقدم بطيئا لكنه كان ثابتا. وبدلا من نمذجة الدماغ بكامله، حاول العلماء تقليد الوصلات فقط بين القشرة والمهاد، حيث تتركز معظم أنشطة الدماغ (وهذا يعني أن الوصلات الحسية مع العالم الخارجي غير موجودة في هذا التمثيل).

في العام 2006 ، مثل الدكتور دارميندرا مودا من  IBM جزئيا دماغ الفأر بهذه الطريقة بواسطة  512 معالجا. وفي العام  2007 مثلت مجموعته دماغ الجرذ بـ 2048 معالجا. وفي العام  2009 مثل دماغ القطة بـ  1.6 مليار عصبون وتسعة تريليونات وصلة باستخدام  24576 معالجا.

اليوم، باستخدام القوة الكاملة لحاسوب بلوجين، مثل العلماء  4.5 في المائة من عصبونات الدماغ البشري ومشابكها. للبدء بتمثيل جزئي للدماغ البشري يحتاج المرء إلى  880 ألف معالج، وقد يصبح هذا ممكنا في العام 2020.

سنحت لي الفرصة لتصوير فيلم عن حاسوب بلوجين. للوصول إلى المختبر، كانّ  علي أن أمر على نقطة تلو أخرى من نقاط الأمن، لأنه مخبر الأسلحة الرئيس في البلد، لكن لا تكاد تجتاز نقاط التفتيش كلها، حتى تدخل إلى غرفة ضخمة مكيفة تحوي البلوجين.

الحاسوب في الحقيقة آلة رائعة. يتألف من صفوف فوق صفوف من الخزائن السوداء الكبيرة مملوءة بمفاتيح وأضواء متلألئة، كل منها بارتفاع  9 أقدام وطول نحو 15 قدما. وفي أثناء سيري على طول الخزائن التي تؤلف بلوجين، تساءلت عن نوع العمليات التي يقوم بها. من الأكثر احتمالا أنها كانت عمليات تمثيل ما يوجد داخل البروتون، وحساب تخافت مطلقات البلوتونيوم، وتمثيل اصطدام ثقبين أسودين، وعملية تفكير فأر كلها في آن واحد.

ثم أخبرت أن هذا الحاسوب الفائق يخلي الطريق أمام الجيل التالي وهو الحاسوب بلوجين/ السلسلة Q ، والذي سيأخذ الحوسبة إلى مستوى جديد. في يونيو  2012 حقق الرقم العالمي لأسرع حاسوب فائق. عند السرعة القصوى يمكنه إجراء عمليات بـ 20.1 بيتا فلوبس PFLOPS ( أو 20.1 تريليون عملية نقطة عائمة في الثانية). ويغطي مساحة ثلاثة آلاف قدم مربعة، ويبتلع  7.9 ميغاوات من الطاقة الكهربائية، وهي طاقة كافية لإنارة مدينة صغيرة.

لكن هل تكفي هذه القوة الحاسوبية الضخمة المجمعة في حاسوب واحد كلها لمنافسة الدماغ البشري؟

لسوء الحظ، لا.



تحاول هذه التمثيلات الحاسوبية محاكاة التفاعل بين القشرة والمهاد فقط. بالتالي فأجزاء ضخمة من الدماغ غير موجودة. يدرك الدكتور مودا ضخامة مشروعه. سمحت له بحوثه الطموحة بأن يقدر الزمن اللازم لخلق نموذج عامل للدماغ البشري بكامله، وليس لجزء أو نسخة باهتة منه فقط، مع أجزاء القشرة الجديدة كلها والاتصالات مع الحواس. يتطلع مودا ليس إلى استعمال بلوجين واحد، بل الآلاف منها، والتي ستملأ ليس غرفة واحدة فقط، بل ضاحية مدينة بكاملها. وسيكون استهلاك الطاقة هائلا جدا بحيث تحتاج إلى محطة توليد كهرباء بالطاقة النووية باستطاعة  1000 ميغاوات. ومن ثم لتبريد هذا الحاسوب الهائل بحيث لا ينصهر، ستحتاج إلى تحويل مجرى نهر، وجعله يمر ضمن دارات الحاسوب.

من الجدير بالملاحظة أن المطلوب هو حاسوب عملاق بحجم مدينة لتمثيل جزء من نسيج بشري يزن ثلاثة أرطال، ويدخل ضمن جمجمتك، ويرفع درجة حرارة جسمك درجات مئوية قليلة، ويستهلك 20 «واط» من الطاقة، ويحتاج إلى بضعة سندويشات من الهامبرغر فقط لجعله يستمر في عمله.

مصطلحات هامة

Interface Brain-Machine IBM
فلوبس PFLOPS



نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu