رجال الكهف وعلم الأعصاب

ُ عندما كنت طفلا، قرأت ثلاثية إسحق أسيموف «الأساس»  Foundation وتأثرت جدا بها. أولا، أجبرتني على طرح سؤال بسيط: كيف ستبدو التقنية بعد خمسين ألف عام في المستقبل، عندما تكون لدينا إمبراطورية مجرية؟ كما تساءلت أيضا من خلال الرواية لماذا يبدو البشر ويتصرفون بالطريقة نفسها التي هم عليها الآن؟ فكرت أنه بالتأكيد بعد آلاف السنين لا بد أن يكون للبشر أجساد آلية تمتلك قدرات خارقة. يجب أن يكونوا قد تخلوا عن أشكالهم البشرية الضعيفة منذ آلاف السنين.

أتيت بجوابين على ذلك. أولا، أراد أسيموف أن يتحبب إلى جمهور شاب يريد شراء كتابه، لذا كان عليه أن يخترع شخصيات يمكن لهؤلاء الناس أن يتعاطفوا معها، بما في ذلك أخطاؤها. ثانيا، ربما يمتلك الناس في المستقبل الخيار لامتلاك أجساد فائقة القوة، لكنهم يفضلون أن يبدو عاديين معظم الوقت. وسيكون هذا لأن عقولهم لم تتغير منذ أن خرج الإنسان من الغابة، ولذا مازال قبولهم من الجنس الآخر ومن أقرانهم يحدد كيف يبدون، وماذا يريدون من الحياة.

لذا دعنا الآن نطبق مبدأ رجل الكهف على علم الأعصاب في المستقبل. يعني هذا المبدأ في حده الأدنى أن أي تعديل على الشكل الأساسي للإنسان يجب أن يكون غير مرئي للخارج. لا نريد أن نشبه لاجئا من فيلم خيال علمي بأقطاب تتدلى من رؤوسنا. سيتم تبني مزروعات الدماغ، التي يمكنها أن تحشر ذكريات أو تزيد ذكاءنا، فقط لو استطاعت التقنية النانوية صنع مجسات وحساسات ميكروية غير مرئية للعين المجردة. في المستقبل، ربما يكون من الممكن صنع ألياف نانوية من أنابيب نانوية كربونية بثخن جزيء واحد، ونحيفة جدا بحيث تتلامس مع العصبونات بدقة جراحية، ومع ذلك تترك مظهرنا من دون تغيير، مع تطوير إمكاناتنا العقلية.

في هذه الأثناء، لو احتجنا إلى أن نوصل بحاسوب فائق لتحميل معلومات، لا نريد أن نربط بسلك يوضع في عمودنا الفقري كما في فيلم ماتريكس (الشبكة). يجب أن يكون الاتصال لاسلكيا بحيث نحصل على كميات كبيرة من القدرة الحاسوبية ببساطة عن طريق تحديد مكان أقرب مخدم عقليا.



لدينا اليوم قواقع مزروعة للسمع وشبكيات صنعية يمكنها أن تمنح هبة الصوت والرؤية للمرضى، لكن حواسنا ستتطور في المستقبل باستخدام التقنية النانوية، بينما نحافظ على شكلنا البشري الأساسي. على سبيل المثال، ربما يكون لدينا الخيار لتطوير عضلاتنا عبر التعديل الجيني أو بالهياكل الخارجية. يمكن أن يكون هناك حانوت للجسم البشري، حيث يمكننا أن نطلب منه قطع غيار جديدة مع اهتراء القديمة، لكن هذه التطويرات الفيزيائية وغيرها للجسم يجب أن تتجنب التخلي عن الشكل البشري.

طريقة أخرى لاستخدام هذه التقنية طبقا لمبدأ رجل الكهف هي أن نستخدمها كخيار بدلا من أن تكون طريقة دائمة للحياة. ربما يريد المرء خيار الاتصال بتلك التقنية ثم الخروج منها مباشرة بعد ذلك. ربما يود العلماء أن يزيدوا ذكاءهم لحل مسألة معقدة بشكل خاص. لكن بعد ذلك يستطيعون نزع خوذهم والعودة إلى حياتهم الطبيعية. بهذه الطريقة، لن يرانا أصدقاؤنا ونحن نشبه أناسا من الفضاء. النقطة هنا هي أن أحدا لا يجبرك على فعل أي من هذا. نريد أن يكون لنا الخيار في التمتع بمزايا هذه التقنية من دون أن نبدو سخفاء.

لذا من المحتمل في القرون المقبلة أن تبدو أجسامنا شبيهة جدا بتلك التي نمتلكها اليوم، عدا أنها ستكون تامة وستمتلك قدرات متطورة. لقد ورثنا من أسلافنا الشبيهين بالقردة وعينا الذي تسيطر عليه الرغبات والآمال القديمة.

لكن ماذا عن الخلود؟ كما رأينا، سيصاب الدماغ المهندس عكسيا، مع الخصائص الشخصية كلها للشخص الأصلي، بالجنون لو وضع داخل حاسوب. الأكثر من ذلك، فإن وصل هذا الدماغ بحساسات خارجية بحيث يشعر بالأحاسيس من بيئته سيجعل منه مسخا بشعا. يمكن حل هذه المشكلة جزئيا بتوصيل الدماغ المهندس عكسيا بهيكل خارجي. لو عمل هذا الهيكل كبديل، فسيستطيع الدماغ المهندس عكسيا عند ذلك أن يستمتع بأحاسيس كاللمس والنظر من دون أن يبدو مستهجنا. في النهاية، سيصبح الهيكل الخارجي لاسلكيا، بحيث يتصرف كإنسان، لكن سيتم التحكم فيه من قبل دماغ مهندس عكسيا «يسكن» ضمن حاسوب.

سيكون لهذا البديل أفضل العالمين. فكونه هيكلا خارجيا يجعله مثاليا. سوف يمتلك قوى فائقة. وبما أنه متصل لاسلكيا بدماغ مهندس عكسيا داخل حاسوب ضخم، فسيكون أيضا خالدا. وأخيرا، بما أنه يحس بالبيئة، ويبدو بشكل جذاب كإنسان حقيقي، فلن تكون لديه مشاكل في التفاعل مع البشر، حيث اختار كثيرون منهم مسبقا هذا الإجراء. لذا سيوجد مخطط الدماغ البشري الحقيقي ضمن حاسوب فائق ثابت، على الرغم من أن وعيه سيظهر نفسه ضمن جسم بديل متحرك ومثالي.

يتطلب هذا كله مستوى من التقنية أبعد بكثير عن أي شيء يمكن الحصول عليه اليوم. لكن بحسب الوتيرة السريعة للتقدم العلمي، يمكن أن يصبح هذا واقعا مع نهاية هذا القرن.

مصطلحات هامة

الأساس  Foundation



نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.