مقاربة شر ّ ح وجرب
المقاربة التالية التي فضلتها إدارة أوباما هي مسح عصبونات الدماغ مباشرة. بدلا من استخدام الترانزيستورات، تحلل هذه المقاربة الممرات العصبونية الفعلية في الدماغ. هناك عدة عناصر لهذه الطريقة.
إحدى الطرق للتقدم في هذا المجال هي في تمييز كل عصبون ومشبك عصبي في الدماغ. (تحطم العصبونات عادة بهذه الطريقة). يدعى هذا بالمقاربة التشريحية. المنحى الآخر هو فك شفرة الطرق التي تتدفق فيها الإشارات الكهربائية عبر الخلايا العصبية عندما يقوم الدماغ بوظائف معينة. (المقاربة الأخيرة، التي تركز على معرفة مسالك الدماغ الحي، هي المفضلة من قبل إدارة أوباما).
تتألف المقاربة التشريحية من تفكيك خلايا دماغ حيوان، عصبونا فعصبونا،ّ باستخدام منهج «شر ّ ح وجرب» slice-and-dice . بهذه الطريقة، فإن التعقيد الكامل للبيئة والجسم والذكريات موجود ضمنا في النموذج. بدلا من مقاربة الدماغ البشري بتركيب عدد هائل من الترانزيستورات، يريد هؤلاء العلماء تحديد كل عصبون في الدماغ. بعد ذلك ربما يمكن تمثيل كل عصبون بمجموعة من الترانزيستورات، بحيث تحصل على نسخة مطابقة من الدماغ البشري كاملة بذاكرة وشخصية واتصالات بالحواس. لا تكاد تعكس هندسة شخص ما بهذه الطريقة، حتى يصبح بإمكانك الحصول على محادثة مفيدة كاملة مع هذا الشخص، بذكريات وشخصية.
لا نحتاج إلى فيزياء جديدة لإكمال هذا المشروع. باستخدام جهاز مماثل لجهازّ تقطيع اللحم في بقالة لحوم، شرح الدكتور غيري روبين من معهد هوارد هيوز الطبي دماغ ذبابة فاكهة. ليست هذه بالمهمة السهلة، بما أن دماغ ذبابة الفاكهة هو بعرض ثلاثمائة ميكروميتر فقط، وهو بقعة ضئيلة بالمقارنة مع الدماغ البشري. يحتوي دماغ ذبابة الفاكهة على نحو 150 ألف عصبون. صورت كل شريحة، وهي بقطر خمسين بالمليار متر فقط، بدقة بواسطة مجهر إلكتروني، وغذيت الصور إلى حاسوب. ثم يحاول برنامج حاسوبي إعادة بناء التوصيلات، عصبونا عصبونا. وفق المعدل الحالي، سيستطيع الدكتور روبن أن يميز كل عصبون في دماغ ذبابة الفاكهة خلال عشرين عاما.
تعود السرعة البطيئة جزئيا إلى تقنية التصوير الحالية، لأن مجهر المسح القياسي يعمل بمعدل نحو عشرة ملايين بيكسل في الثانية. (وهذا نحو ثلث الدقة لشاشة تلفاز قياسية في الثانية). الهدف هو الحصول على آلة تصوير يمكنها معالجة عشرة ملايين بيكسل في الثانية، والذي سيشكل رقما عالميا.
مشكلة كيفية تخزين البيانات المتدفقة من المجهر إلى الحاسوب ضخمة أيضا. يتوقع روبن عندما يصل هذا المشروع إلى سرعته، أن يمسح نحو مليون غيغا بايت من البيانات في اليوم لذبابة فاكهة واحدة، لذا يتصور ملء مخزن ضخم من السواقات الصلبة hard drives . فوق هذا كله، بما أن دماغ كل ذبابة فاكهة مختلف قليلا عن الآخر، فعليه أن يمسح مئات من أدمغة ذباب الفاكهة للحصول على تقريب صحيح لواحدة منها.
بناء على العمل على دماغ ذباب الفاكهة، فما الوقت اللازم لتشريح دماغ بشري؟ يجيب الدكتور روبين: «خلال مائة عام أود أن أعرف كيف يعمل الوعي البشري. الهدف للعشر أو العشرين سنة المقبلة هو فهم دماغ ذباب الفاكهة».
يمكن تسريع هذه الطريقة بعدة تطورات تقنية. إحدى الطرق هي استخدام جهاز آلي، بحيث تتم عملية أخذ شرائح الشاقة من الدماغ وتحليل كل عينةّ بواسطة آلة. يمكن لهذا أن يخفض بسرعة الزمن اللازم لإنجاز المشروع. فالأتمتة على سبيل المثال خفضت كثيرا تكلفة مشروع الجينوم البشري (على الرغم من أن موازنته كانت بحدود 3 مليارات دولار، فإنه أنجز قبل الوقت المحدد وبموازنة أقل، وهو شيء نادر الحدوث في واشنطن). الطريقة الأخرى هي استعمال أنواع مختلفة من الصبغات التي ستصبغ العصبونات والممرات المختلفة، مما يسهل رؤيتها. والمقاربة البديلة هي صنع مجهر آلي فائق يمكنه مسح العصبونات واحدة واحدة بتفصيل لا يقارن.
بمعرفة أن المسح الكامل للدماغ وحواسه كلها قد يستغرق مئات السنين، يشعر هؤلاء العلماء بشعور معماريي القرون الوسطى، الذين صمموا كاتدرائيات أوروبا عالمين أن أحفادهم سيكملون في النهاية مشروعهم.
ٍ إضافة إلى بناء خريطة تشريحية للدماغ، عصبونا فعصبونا، هناك جهد مواز يدعى «مشروع خريطة الدماغ البشري» Human Connectome Project الذي يستخدم مسوحات الدماغ لإعادة بناء الممرات التي تصل المناطق المختلفة من الدماغ.
مصطلحات هامة
شر ّ ح وجرب slice-and-dice
السواقات الصلبة hard drives
مشروع خريطة الدماغ البشري Human Connectome Project
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.
0 تعليقات