Ad Code

أفكار متباعدة : المجرم الفائق


أفكار متباعدة

باختصار، ربما يمكن في العقود المقبلة استخدام مزيج من المعالجة الجينية والعقاقير والآلات المغناطيسية لزيادة ذكائنا. وهناك عدة طرق من الاستكشاف تظهر أسرار الذكاء وكيف يمكن تعديله أو تحسينه. لكن ما الذي يفيد منه المجتمع، إذا استطعنا تحسين ذكائنا والحصول على «تطور عقلي»؟ فكر علماء الأخلاق بجدية في هذا السؤال، بما أن العلوم الأساسية تنمو بسرعة كبيرة جدا. يتمثل التخوف الأكبر في انقسام المجتمع، بحيث يتاح للأغنياء والأقوياء فقط فرص الوصول إلى هذه التقنية، واستخدامها لتقوية مراكزهم المميزة بشكل أكبر. بينما لن يحصل الفقراء على فرصة الوصول إلى قوة عقلية إضافية، مما يجعل من الصعب عليهم الارتقاء في السلم الاجتماعي.

هذا بالتأكيد قلق مبرر، لكنه يعارض تاريخ التكنولوجيا. كان العديد من التقنيات في الماضي بالفعل ِ مسرحا للأغنياء والأقوياء، لكن في النهاية عمل الإنتاجُ  بالجملة والتنافس والنقل الأفضل والتحسينات في التقنية على تخفيض الكلف، بحيث استطاع الشخص العادي الاستفادة منها (على سبيل المثال، اعتدنا اليوم تناول أطعمة فطور لم يكن باستطاعة ملك إنجلترا الحصول عليها قبل قرن من الزمان.ّ  جعلت التقنية من الممكن شراء أطعمة شهية من كل أنحاء العالم في أي مجمع ضخم كانت مثار حسد الأرستقراطيين في الحقبة الفيكتورية). لذا، لو أصبح من الممكن زيادة ذكائنا، فإن تكلفة هذه التقنية ستنخفض تدريجيا. لم تكن التقنيةّ  الجديدة على الإطلاق حكرا على الطبقة الغنية. فعاجلا أو آجلا سيخفض الابتكار والعمل الجاد وقوى السوق البسيطة تكلفتها.

هناك أيضا الخوف من أن ينقسم الجنس البشري إلى أولئك الذين يريدونّ  تطوير ذكائهم وأولئك الذين يفضلون البقاء كما هم، مما يؤدي إلى مشكلة الحصول على طبقة من الحكماء المتفوقين في الذكاء فوق جماهير من الأقل موهبة.

لكن مرة أخرى، ربما بولغ في الخوف من الذكاء الفائق. لا يهتم الشخص العادي على الإطلاق بقدرته على حل المعادلات المعقدة لثقب أسود. لا يرى الشخص العادي أي ميزة بإتقان رياضيات ذات أبعاد فلكية، أو بفيزياء نظرية الكم. على العكس من ذلك، ربما يجد الشخص العادي مثل هذه الأنشطة مملة وبلا فائدة. لذا فمعظمنا لن يصبح عبقريا رياضيا لو أعطي هذه الفرصة، لأنها ليست من طبيعتنا، ولا نرى فائدة من ورائها.

تذكر أن لدى المجتمع مسبقا رياضيين متميزين وفيزيائيين، تدفع لهم رواتب أقل بكثير من رجال الأعمال العاديين، ويمتلكون سلطة أقل بكثير من السياسيين العاديين. أن تكون فائق الذكاء لا يضمن لك النجاح في الحياة. في الحقيقة، ربما يعيقك الذكاء الفائق في الحلقات الأدنى من مجتمع يقدر الرياضيين ونجوم السينما والكوميديين ومضيفي التلفاز بشكل أكبر.



لم يصبح أي إنسان ثريا باختراع النسبية.

أيضا يعتمد الكثير على الصفات المحددة التي نرغب في تطويرها. هناك أشكال أخرى من الذكاء إضافة إلى استخدام الرياضيات (يحاجج البعض بأن الذكاء يجب أن يشمل عبقرية فنية أيضا. في هذه الحالة يمكن للمرء أن يستخدم موهبته لتأمين حياة رغيدة).

ربما يرغب آباء طلاب المدارس الثانوية القلقون في أن يرفعوا نسبة ذكاء IQ  أطفالهم وهم يح ّضرون للامتحانات المعيارية. لكن الـ  IQ كما رأينا لا يرتبط بالضرورة بالنجاح في الحياة. وبالمثل، ربما يريد الناس زيادة قدرة ذاكراتهم، لكن كما رأينا مع العارفين، ربما يكون الحصول على ذاكرة فوتوغرافية نعمة، وربما يكون نقمة. وفي كلتا الحالتين، من غير المحتمل أن يساهم التطور في نشوء مجتمع منقسم إلى قسمين.

لكن المجتمع ككل ربما يستفيد من هذه التقنية. سيكون العمال بذكاء مطور أفضل استعدادا لمواجهة سوق العمل المتغير باستمرار. وستكون إعادة تدريب العمال للوظائف في المستقبل أقل تكلفة على المجتمع. وأكثر من ذلك، سيتمكن الجمهور من اتخاذ قرارات ذكية حول قضايا تقنية رئيسة (على سبيل المثال، تغير المناخ والطاقة النووية واستكشاف الفضاء)، لأنهم سيفهمون هذه القضايا المعقدة بشكل أفضل.

وأيضا، ربما تساعد هذه التقنية على تحقيق توازن في حقل التنافس. فالأطفال الذين يذهبون اليوم إلى مدارس خاصة حصيا ولديهم مدرسون شخصيون هم أفضل استعدادا لسوق العمل لأن لديهم فرصا أكثر لإتقان مواد صعبة. لكن لو زاد كل شخص من ذكائه، فإن خطوط الصدع ضمن المجتمع ستصبح أقل. عندها سيتعلق تقدم المرء في الحياة بدوافعه، وطموحه وخياله واجتهاده، أكثر من مجرد ولادته بملعقة من فضة في فمه.

إضافة إلى ذلك، ربما تساعد زيادة ذكائنا في تسريع الابتكار التقني. سيعني الذكاء المطور قدرة أكبر على تمثيل المستقبل، وسيكون لهذا قيمة كبيرة في صنع اكتشافات علمية. غالبا ما يتوقف العلم في حقول معينة للافتقار إلى أفكار جديدة لتحريض مسارات جديدة في البحث. وستزيد القدرة على تمثيل أوضاع مستقبلية مختلفة ممكنة بشكل كبير من سرعة الاختراقات العلمية.

يمكن لهذه الاكتشافات العلمية بدورها أن تولد صناعات جديدة، مما يزيد من غنى المجتمع بأكمله، خالقة أسواقا جديدة ووظائف جديدة وفرصا جديدة.ُ  يحفل التاريخ باختراقات تقنية خلقت صناعات جديدة بالكامل لم تفد القلةّ  فقط بل المجتمع بأكمله (فكر في الترانزستور والليزر اللذين يشكلان اليوم أساس الاقتصاد العالمي).

ّ مع ذلك، يوجد في قصص الخيال العلمي الموضوع المكرر حول المجرم الفائق، والذي يستخدم قدراته العقلية الفائقة لارتكاب عدد من الجرائم، والتغلب على البطل الفائق. لكل رجل فائق ما يقابله، لكن سوبرمان ليكس لوثر، ولكل رجلٌ  عنكبوت غرين غوبلن. على الرغم من أنه من الممكن بالتأكيد أن يستخدم مجرم الذكاء لخلق أسلحة متفوقة، والتخطيط لجريمة العص، فإن من الممكن أيضا لأعضاء قوات الشرطة أن يطوروا ذكاءهم للتفوق على العقل الشرير المتفوق. لذا فالمجرمونّ  المتفوقون خطرون فقط لو كانوا الوحيدين الذين يمتلكون الذكاء المطور.

تفحصنا حتى الآن إمكاناتنا لتطوير قدراتنا العقلية أو تغييرها عبر التخاطر والتحريك العقلي وتحميل الذكريات أو تطوير الدماغ. مثل هذه التطويرات تعني تعديل القدرات العقلية لوعينا أو زيادتها. يفترض هذا ضمنا أن وعينا العادي هو الوحيد، لكنني أود أن أستكشف ما إذا كانت هناك أشكال مختلفة من الوعي. لو أن الأمر كذلك، ربما سيكون هناك طرق أخرى للتفكير تؤدي إلى نواتج وعواقب مختلفة تماما. ضمن أفكارنا هناك حالات مختلفة من الوعي، مثل الأحلام والتنويم المحرض بالمخدرات والمرض العقلي. هناك أيضا وعي لا إنساني، مثل وعي «الإنساليات»  Robots وحتى وعي الغرباء من الفضاء الخارجي. علينا أن نتخلى عن فكرتنا العنصرية الشوفينية بأن الوعي البشري هو الوعي الوحيد. هناك أكثر من طريقة لصنع نموذج عن عالمنا، وأكثر من طريقة لتمثيل المستقبل.

الأحلام، على سبيل المثال، هي واحدة من أقدم أشكال الوعي، وقد درسها القدماء، ومع ذلك لم يتحقق سوى تقدم بسيط جدا في فهمها حتى وقت قريب. قد لا تكون الأحلام مجرد حوادث سخيفة عشوائية جمعت بعضها مع بعض من العقل النائم، بل ظاهرة يمكن أن تعطي رؤية حول معنى الوعي. ربما كانت الأحلام مفتاحا لفهم حالات مختلفة من الوعي.

مصطلحات هامة

إنساليات  Robots



نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu