Ad Code

المرض العقلي : أسباب الفصام و أعراضه و علاجه


المرض العقلي

لكن هناك حالة مغايرة من الوعي تؤدي إلى معاناة كبيرة للشخص الذي يختبرها ولعائلته، وهي المرض العقلي. هل يمكن لمسوحات الدماغ والتقنية العالية أن تظهر مصدر هذا المرض، وأن تؤدي ربما إلى علاجه؟ لو حصل هذا فسيمكن التخلص من أحد أكبر مصادر المعاناة البشرية.

على سبيل المثال، خلال التاريخ كانت طرق معالجة الفصام وحشية وبدائية. يعاني مرضى هذا الاضطراب العقلي المقعد، الذي يصيب  1 في المائة من السكان، سماع أصوات متخيلة ويعانون أوهاما مرعبة وتفكيرا مختلا. خلال التاريخ، اعتبرُ  هؤلاء «متلبسين» بالشيطان، وعوقبوا نتيجة لذلك أو ق ُ تلوا أو سجنوا. تشير الروايات القوطية أحيانا إلى القريب المجنون الذي يعيش في عتمة غرفة مخبأة أو في قبو. حتى الإنجيل يذكر حادثة مصادفة المسيح لشيطانين. رجا الشيطانان المسيح أن يسوقهما إلى قطيع من الخنازير. قال «اذهبا إذن». وعندما دخل الشيطانان حظيرة الخنازير، اندفع القطيع بأكمله إلى الحافة، وغرق في البحر.



ّ حتى اليوم، لانزال نرى أناسا بأعراض كلاسيكية للفصام يتجولون ويجادلون أنفسهم. عادة ما تظهر المؤشرات الأولى في أواخر سن المراهقة بالنسبة إلى الرجال، أو أوائل العشرينيات بالنسبة إلى النساء. يعيش بعض مرضى الفصام حياة عادية، وحتى إنهم يحققون إنجازات عظيمة، قبل أن تسيطر الأصوات عليهم. أشهر هذه الحالات هي لـ جون ناش حامل جائزة نوبل في الاقتصاد العام 1994 ، والذي مثل راسل كرو دوره في فيلم «عقل جميل» A Beautiful Mind . في العشرينيات من العمر، أجرى ناش عملا رائدا في الاقتصاد وفي نظرية الألعاب والرياضيات البحتة في جامعة برنستون. كتب أحد مشرفيه رسالة توصية له تتضمن سطرا واحدا: «هذاٍ  الرجل عبقري». ومن الجدير بالملاحظة أنه كان قادرا على الأداء بمستوى عقلي عالُ  حتى وهو تحت سيطرة الأوهام. في النهاية، أدخل إلى المستشفى بعد انهيار عصبي في سن الحادية والثلاثين، وقضى سنوات عديدة في المصحات، أو متجولا حول العالم، خائفا من أن يقتله عملاء شيوعيون.

في الوقت الحالي لا توجد طريقة دقيقة مقبولة عالميا لتشخيص المرض العقلي. هناك أمل مع ذلك في أن يستخدم العلماء يوما ما مسوحات الدماغ والأجهزة عالية التقنية لصنع أدوات تشخيص دقيقة. لذا كان التقدم في معالجة الأمراض العقلية بطيئا بشكل مؤسف. بعد قرون من المعاناة حصل ضحايا مرض انفصام الشخصية على أول إشارة مريحة لهم، عندما عثر بالمصادفة في الخمسينيات على عقاقير مضادة للذهان، مثل الثورازين thorazine ، يمكنها التحكم في الأصوات التي تلاحق المرضى العقليين أو التخلص منها أحيانا.

يعتقد أن هذه الأدوية تعمل على التحكم في مستوى ناقلات عصبية معينة، كالدوبامين. وبشكل خاص، تقول النظرية، إن هذه الأدوية تعيق عمل متلقيات  ّ D2 لخلايا عصبية معينة، وبالتالي تخفض مستوى الدوبامين (تفسر هذه النظرية، بأن الهلوسة تنتج جزئيا من زيادة مستوى الدوبامين في الجهاز الحوفي والقشرة أمام الجبهية، أيضا لماذا يختبر الناس الذين يتناولون الأمفيتامين هلوسات مماثلة).

ولأن الدوبامين ضروري جدا لمشبكات الدماغ، فإنه قد يسبب اضطراباتّ  أخرى أيضا. ترى إحدى النظريات أن مرض باركنسون يهيج بافتقار المشبكات إلى الدوبامين، بينما يمكن إطلاق متلازمة توريت  Tourett بزيادته( يعاني المرضى باضطراب توريت بسبب تقلصات وحركات وجه غير عادية. يتفوه قلة منهم بشكل لا إرادي بكلمات بذيئة، ويبدون ملاحظات مسيئة ومنحطة).

منذ وقت أقرب ركز العلماء على متهم محتمل آخر: مستويات غير عادية من الغلوتامات في الدماغ. أحد الأسباب للاعتقاد أن هذه المستويات متورطة هو أن الـ PCP ( أو غبار الملائكة) يخلق هلوسات مماثلة لتلك التي يعانيها مرضى انفصام الشخصية بسد متلقي غلوتاميت يدعى  NMDA . ُيظهر الكلوزابين، وهو عقارّ  جديد نسبيا لمرض انفصام الشخصية يحرض إنتاج الغلوتاميت، وعدا كبيرا.

مع ذلك لا تعالج هذه الأدوية المضادة للذهان الحالات كلها. في  20 في المائة من الحالات توقف مثل هذه الأدوية الأعراض كلها. ويجد نحو الثلثين بعض الراحة من أعراضهم، لكن البقية لا يتأثرون بها ألبتة (بحسب إحدى النظريات، تقلد الأدوية المضادة للذهان مادة كيميائية طبيعية مفقودة في أدمغة مرضى الفصام، لكنهاّ  ليست نسخة مطابقة تماما لها. لذا على المريض أن يجرب أنواعا مختلفة من هذه الأدوية بالتجربة والخطأ. أكثر من ذلك، يمكن أن تكون لهذه الأدوية تأثيرات جانبية، لذا يتوقف مرضى الفصام غالبا عن تناولها، ويعانون عودة المرض إليهم.

أخيرا، ساعدت مسوحات الدماغ لمرضى الفصام، والتي أخذت بينما كانوا يعانون هلوسات صوتية، في تفسير هذا الاضطراب القديم. على سبيل المثال، عندما نتحدث بصمت مع أنفسنا، تلمع مناطق معينة من الدماغ على مسوحات MRI ، خصوصا في الفص الصدغي (كما في منطقة فيرنيك). عندما يسمع مريض بالفصام أصواتا، تلمع المناطق نفسها من الدماغ. يعمل الدماغ بجد لبناء قصة متسقة، لذا يحاول مرضى الفصام أن يفهموا هذه الأصوات غير المرخصة معتقدين أنها تصدر من مصادر غريبة، مثل رجال من المريخ يرسلون أفكارهم سرا إلى أدمغتهم. يكتب الدكتور مايكل سويني من جامعة أوهايو: «العصبونات الموصولة للإحساس بالصوت تطلق من تلقاء ذاتها، مثل قطع قماش مبللة بالبنزين تشتعل تلقائيا في مرآب حار معتم. وفي غياب مناظر وأصوات في البيئة المحيطة، يخلق دماغ مريض الفصام وهما قويا عن الحقيقة».

بشكل ملحوظ، تبدو هذه الأصوات صادرة عن مصدر ثالث، غالبا ما يعطي المريض أوامر عادية، لكنها في بعض الأحيان عنيفة. في هذه الأثناء تعمل مراكز التمثيل في القشرة الجبهوية مثل ملاح آلي، بحيث إن وعي مريض الانفصام يجري عمليات التمثيل نفسها كما نفعل جميعنا، عدا أنها تحدث من دون إذنه. يتكلم الشخص حرفيا مع نفسه من دون أن يعلم.

مصطلحات هامة

عقل جميل A Beautiful Mind
الثورازين thorazine
غبار الملائكة PCP
التصوير بالرنين المغناطيسي MRI



نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu