Ad Code

أسرع من الضوء : جسر آينشتاين – روزن ممر بين الأكوان


أسرع من الضوء

نرى إذن أن هذه المشاكل كلها هندسية. لا يوجد قانون في الفيزياء يمنع السفر على شعاع من الطاقة في القرن المقبل أو الذي يليه. لذا ربما كانت هذه أفضل طريقة لزيارة الكواكب والنجوم. وبدلا من الركوب على شعاع ضوئي، كما حلم بذلك الشعراء، سنصبح نحن الشعاع الضوئي نفسه.

لكي نستوعب حقا الرؤية التي عبرت عنها قصة الخيال العلمي لأسيموف، نحتاج إلى السؤال فيما إذا كان السفر بسرعة أكبر من سرعة الضوء بين المجرات ممكنا حقا. في قصته القصيرة وتتحرك كائنات ذات قدرات هائلة بحرية بين مجرات مفصولة بعضها عن بعض بملايين السنين الضوئية.

هل هذا ممكن؟ للجواب عن هذا السؤال علينا أن ندفع حدود فيزياء الكم الحديثة نفسها. في النهاية، ربما تقدم أشياء تدعى «الثقوب السوداء» طريقا مختصرا للسفر خلال الزمان والمكان الفسيحين. وسيكون للكائنات المصنوعة من طاقة بحتة، بدلا من المادة، ميزة حاسمة في المرور خلالها.



آينشتاين، بمعنى ما، مثل شرطي الحي الذي يقول لك إنك لا تستطيع السفر أسرع من الضوء، وهي السرعة القصوى في الكون. السفر عبر مجرة درب اللبانة على سبيل المثال يستغرق مائة ألف عام، حتى لو تم على شعاع ليزري. على الرغم من مرور لحظة فقط من الزمن بالنسبة إلى المسافر، فإن الزمن على الكوكب الأم تقدم مائة ألف عام. والعبور بين المجرات يتطلب ملايين إلى مليارات السنوات الضوئية.

لكن آينشتاين نفسه ترك ثغرة في عمله. في نظريته العامة في النسبية العام 1915 ، ب ّين أن الجاذبية تنجم عن انحناء الزمان – مكان. ليست الجاذبية قوة «سحب» سرية غير مرئية، كما اعتقد نيوتن مرة، لكنها في الحقيقة قوة «دفع» ناجمة عن التفاف المكان نفسه حول جسم ما. لا يفسر هذا بذكاء انحناء أشعة النجوم التي تمر بالقرب من النجوم وتمدد الكون فقط، بل يترك الإمكانية مفتوحة لنسيج الزمان – مكان ليمتد حتى يتمزق.

في العام  1935 قدم آينشتاين وتلميذه نيثن روزن حلا بإمكانية أن يتصل ثقبان أسودان موجودان ظهرا لظهر، مثل توأم سيامي، بحيث إذا سقطت في ثقب أي منهما يمكنك، من حيث المبدأ، أن تعبر من الثقب الآخر. (تصور وصل قمعين عند طرفيهما. فالماء الذي يخرج من أحد القمعين يظهر من الآخر). هذا «الثقب الأسود»، الذي يدعى أيضا جسر آينشتاين – روزن، طرح إمكانية وجود ممرات أو بوابات بين الأكوان. نفى آينشتاين نفسه إمكانية المرور خلال ثقب أسود، لأنك ستتحطم في أثناء العملية، غير أن تطورات لاحقة عدة أبرزت إمكانية السفر بسرعة أسرع من الضوء عبر ثقب أسود.

أولا، في العام  1963 اكتشف رياضي يدعى روي كير أن الثقب الأسود الدوار لا ينهار إلى نقطة وحيدة، كما اعتقد سابقا، لكن إلى حلقة دوارة تدور بسرعة كبيرة جدا بحيث تمنع القوى النابذة من انهياره. لو سقطت خلال الحلقة، يمكنك العبور إلى الكون الآخر. ستكون قوى الجاذبية كبيرة جدا، لكنها ليست لامتناهية. سيكون هذا مثل مرآة أليس، حيث تمرر يدك خلال المرآة لتدخل كونا موازيا. ستكون حافة المرآة الحلقة المكونة للثقب الأسود نفسه. منذ اكتشاف كير، أظهر عدد من الحلول الأخرى لمعادلات آينشتاين أن باستطاعتك، من حيث المبدأ، أن تمر بين الأكوان من دون أن تتحطم فورا. وبما أن كل ثقب أسود يرى بعيدا جدا في الفضاء يدور بسرعة (بعضها يدور بمعدل  1مليون ميل / الساعة) فهذا يعني أن هذه البوابات الكونية يمكن أن تكون شائعة.

في العام  1988 ب ّين الفيزيائي الدكتور كيب ثورن من معهد كاليفورنيا للتقنية وزملاؤه أنه بكمية كافية من «الطاقة السالبة»  Negative energy من الممكن تثبيت ثقب أسود بحيث يصبح الثقب الدودي «قابلا للانتقال ضمنه» (أي يمكنك العبور خلاله بحرية في الاتجاهين من دون أن تتحطم). ربما كانت الطاقة السالبة المادة الأغرب في الكون، لكنها توجد بالفعل ويمكن خلقها (بكميات ميكروسكوبية) في المختبر.

إذن لدينا هنا نموذج جديد. أولا، ستركز حضارة متقدمة كمية كافية من الطاقة الموجبة في نقطة واحدة، مقارنة مع ثقب أسود، لفتح ثقب خلال فضاء يصل بين نقطتين بعيدتين. ثانيا، ستراكم كمية كافية من الطاقة السالبة لإبقاء البوابة مفتوحة، بحيث تكون مستقرة، ولا تغلق في اللحظة التي تدخل فيها.

يمكننا الآن وضع هذه الفكرة في منظورها الصحيح. يجب أن يكون مسح خريطة الدماغ البشري بأكمله ممكنا بحلول أواخر هذا القرن. ويمكن تأسيس شبكة ليزرية بين الكواكب في أوائل القرن التالي، بحيث يمكن إرسال الوعي شعاعيا عبر النظام الشمسي. لن تكون هناك حاجة إلى قانون جديد في الفيزياء. الشبكة الليزرية التي تستطيع الانتقال بين النجوم عليها أن تنتظر حتى القرن الذي يليه. لكن على حضارة يمكنها اللعب بالثقوب الدودية أن تكون متقدمة تقنيا علينا بآلاف السنين، مادة حدود الفيزياء المعروفة.

لهذا كله إذن تأثيرات مباشرة فيما إذا كان الوعي يستطيع الانتقال بين الأكوان. لو أتت المادة قرب ثقب أسود، فستصبح الجاذبية شديدة جدا، بحيث يصبح جسمك مثل «السباغيتي». فالجاذبية ستشد قدمك بقوة أكبر من تلك التي تسحب رأسك، لذا سيمتد جسمك بقوى مد. في الحقيقة، بينما تقترب من الثقب الأسود، فإن ذرات جسمك ستمتد حتى تنتزع الإلكترونات من النواة مسببة تفكك ذراتك.

(لمعرفة شدة قوى المد انظر فقط إلى موجات المد في الأرض وحلقات زحل. تبذل جاذبية القمر والشمس قوة سحب على الأرض، مسببة ارتفاع المحيطات عدة أقدام خلال المد المرتفع. ولو جاء القمر قريبا جدا من كوكب عملاق مثل زحل، فسوف تمد قوى المد القمر، وفي النهاية سوف تمزقه. المسافة التي تتمزق عندها الأقمار بفعل قوى المد تدعى حد روش Roche . تقع حلقات زحل عند حد روش بالضبط، لذا فقد تكون نتجت من قمر تجول قريبا جدا من الكوكب الأم).

حتى لو دخلنا في ثقب أسود دوار، واستخدمنا الطاقة السالبة لتثبيته، فإن حقول الجاذبية ستبقى قوية جدا بحيث تحولنا إلى سباغيتي.

لكن هنا تكمن ميزة الأشعة الليزرية على المادة عند المرور من خلال ثقب دودي. فالشعاع الليزري لا مادي، لذا لا يمكن مده بقوى المد في أثناء مروره بالقرب من ثقب أسود. بدلا من ذلك، يصبح الضوء «منحازا للأزرق» (أي يكسب طاقة ويزداد تردده). حتى لو شوه الشعاع الليزري، فإن المعلومات المخزنة عليه سوف تبقى سليمة. على سبيل المثال، فإن رسالة بشفرة مورس محمولة على شعاع ليزري تصبح مضغوطة، لكن محتواها من المعلومات يبقى من دون تغيير. لا تتأثر المعلومات الرقمية بقوى المد. لذا فقوى الجاذبية التي قد تكون مميتة لكائنات مصنوعة من مادة، قد تكون بلا تأثير في كائنات تسافر على أشعة ضوئية.

بهذه الطريقة، فإن الوعي المحمول على شعاع ليزري يمتلك ميزة حاسمة على المادة في المرور عبر ثقب دودي، لأنه غير مادي.

للأشعة الليزرية ميزة أخرى على المادة عند العبور خلال ثقب دودي. وفق بعض الفيزيائيين فإن ثقبا دوديا ميكرويا، ربما بحجم ذرة، قد يكون خلقه أسهل. لن تستطيع المادة العبور عبر مثل هذا الثقب الدودي الصغير. لكن ليزرات أشعة إكس بطول موجة أصغر من ذرة قد تستطيع المرور خلاله بسهولة.

على الرغم من أن قصة أسيموف القصيرة الرائعة كانت من نسج الخيال، فإن المفارقة أن شبكة واسعة بين النجوم من المحطات الليزرية قد تكون موجودة بالفعل ضمن المجرة، ومع ذلك فنحن بدائيون جدا بحيث لا نشعر بها البتة. بالنسبة إلى حضارة تتقدمنا بآلاف السنين، فإن تقنية تحويل خرائط أدمغتهم إلى أرقام وإرسالها إلى النجوم هي بمنزلة لعب أطفال. في تلك الحالة، من المعقول أن ترسل كائنات ذكية مسبقا وعيها عبر شبكة واسعة من الأشعة الليزرية في المجرة. لا شيء نراقبه بأكثر مقاربنا وأقمارنا تقدما يهيئنا لاكتشاف مثل هذه الشبكة بين المجرات.

تأسف كارل ساغان مرة على إمكانية أننا قد نعيش في عالم محاط بحضارات غريبة وليست لدينا التقنية لنعرف ذلك.

ثم يأتي السؤال التالي: ماذا يدور في خلد كائن غريب؟

لو كنا سنصادف مثل هذه الحضارة المتقدمة، فما نوع الوعي الذي قد تمتلكه؟ ربما سيتوقف مصير الجنس البشري يوما ما على الإجابة عن هذا السؤال.

مصطلحات هامة

 الطاقة السالبة  Negative energy


نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu