ثورة كوبرنيكوس العلمية

تمكن أربعة علماء فلك أوروبيين , عاشوا في القرن السادس عشر والسابع عشر من تقويض فكرة بطليموس القائلة لأن الأرض مركز الكون.

ففي سنـة  ١٥٤٣ قلب الفلكي نيقولا كوبرنـيـكـوس (١٥٤٣-١٤٧٣ميلادية) , هذه النظرية رأسا على عقب حين قال في كتابه (دوران الأجسام السماوية),  أن الشمس يجب أن تكون مركزا لكل شيء , حتى تتمكن من أن تمد سائـر الكواكب السيارة بالضوء. وعندما جرب بعض علماء الفلك الإنجليز والألمان بشكل خاص , أن يعتنقوا فرضيات كوبرنيكوس , وحسبوا مواضع الكـواكـب بناء على نظريته وجدوا من الناحية العملية أن نظام كوبرنيكوس Copernical System أسهل استخداما من نظام بطليموس , ويـعـطـي تـنـبـؤات أكـثـر دقـة,  برغم أن كوبرنيكوس قد افترض خطأ أن الكواكب السيارة تتبع في حركات مدارات دائرية تماما.

وحيث أن كل نظرية علمية يجب أن تخضع لتجارب عديـدة وقـيـاسـات أرصاد كثيرة باستمرار , إلا أن كوبرنيكوس عندما توفي فـي عـام ١٥٤٣ , لم يترك سوى سبعة وعشرين رصدا بدلا من الآلاف اللازمة لذلك , ومع هذا فكانت نظريته عن مركزية الشمـس أدق وأوضـح ممـا سـبـقـهـا. ولـقـد قـدر لأعمال الفلكي الدا•ركي تايخو براهي (١٦٠١-١٥٤١ميلادية)  أن تؤدي دورا حيويا في إثبات نظرية كوبرنيكوس فقد ولـد بـراهـي بـشـخـصـيـة تـنـسـجـم انسجاما وثيقا مع تنظيم الأرصاد الفلكية ففد كان ابن نبيل دا•ركي على درجة كبيرة من الثقافة العلمية كما كانت له طاقة بلا حدود على العمل.

وقد حدثت سلسلة من الأحداث الغريبة , جاءت بتايحو براهي إلى علم الفلك , ففي الثالثة عشر من عمره رأى كسوفا جزئـيـا لـلـشـمـس فـأثـر فـي نفسه أبلغ الأثر. كما راعه أن رأى في السماء انفجارا هائلا لنجم (سوبرنوفا),  وهذا الحدث نادر جدا في حياة البشرية , فأخذ يقيس بعد هذا النجم من عدة مدن , كما انه صمم أجهزة فلكية أكبر وأكثر اتقانا من الناحية الهندسية والعلمية , تفوق أية أجهزة أخرى سبق استخدامها في أي وقت من الأوقات.

وقـد بـنـى بـراهـي مـرصـدا فـريـدا فـي عـام  ١٥٧٦ ميـلاديـة أطـلـق عـلـيـه (يورانيبرج) ومعناه (قلعة السماء) , وقد أخذ ومعاونوه بقياس مواضع النجوم والكواكب في السماء مدة تزيد على عشرين سنة , جامعين البيانات اللازمة لرصد الأجرام الفضائية. وكان براهي يؤمن بنظام ثالث أطلق عليه (النظام التايخوي) , وهو غير نظامي بطليموس وكربرنيكوس ويقول فيه أن الكواكب تدور حول الشمس وان كـل هـذه المجـمـوعـة تـدور حـول الأرض , وكـان هـذا النظام الجديد تسوية بين النظامين الآخرين: فبينما تدور الـكـواكـب حـول الشمس حسب رأي كوبرنيكوس , إلا أن الأرض ثابتة راسخة حسب نظرية بطليموس.

وبرغم هذا , فان أبحاث تايخو براهي الفلكية الـتـي زاد عـلـيـهـا عـلـمـاء لاحقون , ساعدت على إقامة الدليل على صحة نظرية كوبرنيكوس.

لقد كانت نظرية تايخو براهي بغير الحسابات الفلكية اللازمـة مـجـرد خيال لا طائل تحته ومن ثم كان بحاجـة إلـى عـالـم ريـاضـي يـسـاعـده , وإلا ضاعت كل أرصاده وعمل السنوات العشرين هباء وكان الشخص الـوحـيـد الذي يستطيع أن يمد له يد العون هو جـوهـان كـبـلـر (١٦٣٠-١٥٧١) , الشـاب الذي يدرس الرياضيات وقد بدت منه مهارة فائـقـة عـنـدمـا كـان يـحـســـب مدارات الكواكب , وغدا كبلر مساعدا لبراهي فاستخدم أرصاده وأثبت أن مدارات الكواكب السيارة ليست دائرية تامة , كما كانت تقضي قواعد الكون عند كوبرنيكوس , بل هي قطع ناقص أو اهليليجـيـة  Elliptical وان الشمـس تحتل إحدى بؤرتي القطع الناقص , وكان هذا أول قانون من قـوانـين كـبـلـر الثلاثة التي تحكم النظام الشمسي.

أما القانون الثاني فهو أن الكواكب السيارة تزيد سرعتها عندما تقترب في مداراتها البيضاوية من الشمس , بالمقارنة بسرعتها في أجزاء مداراتها البعيدة عن الشمس.

وقال كبلر في قانونه الثالث أن مربع زمن الدورة لأي كوكب يدور حول الشمس تتناسب مع مكعب بعده عنها , وبالجمع بين هذه القوانـين الـثـلاثـة يتضح أن ثمة قوة جاذبية تعمل بين الأجرام السماوية.

لقد كان من طموحات كبلر منذ شبابه أن يكتشـف الـعـلاقـة بـين أبـعـاد الكواكب , لكي يتجلى أمام عينيه ذلك الانسجام الرائع الذي صنعه الخالق جل شأنه , ولهذا يسمى القانون الثالث أيضا بالقانون التوافقي Harmonic,  فهو يبين في الواقع أن هناك تأثيرا جوهريا بين الكواكب والشمس.

وهذا القانون التوافقي هو الذي قاد نيوتن إلى نظرية الجاذبية , فالوقت الذي يستغرقه الكوكب في قطع الرحلة الواحدة حول الشمس بادئة ومنتهية في نقطة تقع على خط يصل بين أحد النجوم البعيدة , هو ما يسمى (بالفترة الفلكية).

وقد تمكن كبلر أيضا من حساب مدارات القطع الناقص (الاهليليجي) لكواكب المجموعة الشمسية في مداراتها حول الشمس , ومن ثم حطم الفكرة القديمة القائلة بأن مسارات الكواكب السيارة دائرية الشكل , وأوضح بذلك معالم القوانين الأساسية للـنـظـام الـشـمـسـي كـمـا هـو مـعـروف فـي الـوقـت الحاضر.



وجاء جاليليو جاليلي (١٦٤٢-١٥٦٤) , ليصوب للمرة الأولى التلسكوب إلى السماء عام  -١٦٠٩ ويظن المؤرخون أن صانع النظارات الهولندي هانز ليبرشي هو الذي صنع أول تلسكوب في العالم-انتابته الدهشة إذ وجد نفسه وجها لوجه مع نظام كوبرنيكوس الفلكي , الذي ينص عـلـى أن الـشـمـس ولـيـسـت الأرض هي مركز مجموعتنا الشمسية. لقد رأى جاليليو أربعة أقمار تدور حول كوكب المشترى , وهو ما يثبت أن الأرض ذات القمر الواحد لا يمكن أن تكون أبرز عضو في المجموعة السـمـاويـة , كـذلـك أمـكـن أن يـراقـب كـوكـب الزهرة , فوجد أنه يظهر وجها كامل الإضاءة حين يكون قريبا من الشمس,  وهذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها على أساس نظام بـطـلـيـمـوس , بـل يمـكـن تعليلها حسب نظام كوبرنيكوس الذي يقضي بأن يدور كوكب الزهرة حول الطرف القصي من الشمس , وقد أقنعت هذه المشاهدات الفلكية جاليلـيـو بالتحمس لنظرية كوبرنيكوس.