المذهب الحسي والمعنى

ٍ ينكر الحسيون وجود معان في أذهاننا، ويبنون هذا الإنكار على اعتبارين: أحدهما أنه لما كان كل موجود حسيٍا، كانت معارفنا إما إحساسات أو راجعة إلى إحساسات. والاعتبار الآخر أن المعنى الكلي تَ ُّ صو ِ ر متناق ُ ض يلغي عجز َ ه صدره؛ إذ إن الكلية تمنع عن المعنىً  التعيين، بينما كل موجود وكل تصور فهو معين حتما. هل نستطيع تصور إنسان لا هو أبيض ولا أسود ولا أصفر ولا أحمر، ولا هو طويل أو قصير، ولا هو كذا أو كذاِّ  مما يسمى بالأعراض؟ هل نستطيع أن نتصور حركة متمايزة من الجسم المتحرك ولا هي سريعة ولا بطيئة، ولا مستقيمة ولا منحنية؟ هل نستطيع أن نتصور مثلثًا لا يمثلً  نوع ً ا من أنواع المثلثات ويشملها جميعا؟ ويقاس على ذلك سائر المعاني التي لها التجرد والكلية.

غير أنهم يجدون أنفسهم مضطرين للإقرار بما يشبه المعنى المجرد الكلي، فيحاولون تفسيره ابتداءًمن الحسي، فيقولون إنه صورة تكتسب بالانتباه على الخصائص المشتركة بين الجزئيات وفصلها عن الخصائص الذاتية لكل جزئي، وهذا هو التجريد عندهم، فنحصل على صورة ناقصة تحوي بعض خصائص الشيء دون بعض. وندل على هذه الصورة بلفظ، فنخلق بينهما علاقة عرفية يكون من أثرها أنه كلما سمعنا اللفظُ  أو قرأناه بدت في ذهننا صور أشياء حاصلة على تلك الخصائص، وهذه هي الكلية عندهم، تتسع أكثر فأكثر بتناقص عدد الخصائص المستبقاة في الصورة على ما تشيرِ  إليه كتب المنطق حين تعين العلاقة بين المفهوم والماصدق. وم ِ ن الح ِّس َ يين من يعترف للذهن بفاعلية ذاتية في المضاهاة بين الخصائص والانتباه إليها، ومنهم من يرى أن الذهن منفعل وحسب، وأن تكرار الإحساس أو شدته تبرز الخصائص المشتركة وتفرض الانتباه على الذهن، فتحدث الصورة حدوثًا آليٍا. والحسيون المعاصرون يؤيدون تفسيرهم للتجريد بتلك «الصور المركبة» التي حصل عليها جالثون حوالي سنة ١٨٨٠؛ إذ وضع فيَ  فانوس سحري بضع ميداليات تمثل كليوباترة وو َّجه الضوء إلى موضع واحد، فظهرت صورة هي متوسط الميداليات. وكذلك صنع بميداليات تمثل إسكندر الأكبر، وبصورة شمسية تمثل أفراد إحدى الأُ َسر ً ، فكانت هذه التجارب دليلا ماديٍا على ترسخ المشابهات وتلاشي الفوارق.