تجربة الخروج من الجسد

الفكرة بوجود عقول خارج الأجساد ربما كانت الأقدم من بين خرافاتنا، وهي موجودة عميقا ضمن أساطيرنا وقصصنا الشعبية وأحلامنا وربما حتى جيناتنا. كل مجتمع كما يبدو لديه بعض القصص حول الأشباح والشياطين الذين يستطيعون دخول الأجسام والخروج منها كما يشاءون.

للأسف، عوقب العديد من الأبرياء لطردهم الشياطين التي افترض أنها امتلكت أجسادهم. ربما كانوا يعانون أمراضا عقلية مثل الفصام، حيث يطارد الضحايا بأصوات تولد في عقولهم. يعتقد المؤرخون أن إحدى ساحرات «سالم» ، والتي شنقت في العام  1692 لأنها مسكونة، ربما كانت لديها حالة جينية تدعى مرض هنتغتون الذي يؤدي إلى فشل في التحكم بالأطراف.

اليوم يدعي بعض الناس أنهم دخلوا في حالة من النشوة، بحيث غادر وعيهم الجسد وأصبح حرا في التجوال في الفضاء، حتى أنهم استطاعوا النظر إلى أجسادهمُ  الفانية. في إحصاء أ ّ جري على ثلاثة عشر ألف أوروبي، ادعى  5.8 في المائة منهم بأنهم مروا بتجربة الخروج من الجسد . ُوتظهر مقابلات أجريت في الولايات المتحدة نتائج مماثلة.

ريتشارد فاينمان، الحائز جائزة نوبل، والمحب لاستطلاع الظواهر الجديدة، وضع نفسه مرة في خزان يحجب الأحاسيس، وحاول أن يترك جسده المادي. وقد نجح. كتب بعد ذلك أنه شعر بأنه غادر جسده، وانجرف في الفضاء، ورأى جسده الساكن عندما نظر إلى الخلف. لكن فاينمان استنتج بعد ذلك أن هذا ربما كان خيالا نتج عن الحرمان من الأحاسيس.



يقدم علماء الأعصاب الذين درسوا هذه الظاهرة تفسيرا أكثر ابتذالا. ربما حدد الدكتور أولاف بلانك وزملاؤه في سويسرا المكان الدقيق في الدماغ الذي يولد خبرات الخروج من الجسد. كانت إحدى مرضاه امرأة في الثالثة والأربعين عانت نوبات صرع عنيفة أتت من فصها الصدغي الأيمن. وضعت شبكة مؤلفة من نحو مائة قطب فوق دماغها من أجل تحديد المنطقة المسؤولة عن النوبات. وعندما حرضت الأقطاب المنطقة بين الفص الصدغي والفص الجداري، حصلت مباشرة على الشعور بأنها قد غادرت جسدها. صاحت: «أرى نفسي مستلقية على سرير من الأعلى، لكننيّ  أرى قدمي والجزء الأسفل من جسدي فقط!» . شعرت بأنها تعوم على مسافة ست أقدام فوق جسدها.

ولكن عندما أغلقت الأقطاب، اختفى الشعور بالوجود خارج الجسد فورا. في الحقيقة، وجد الدكتور بلانك أن في إمكانه إطفاء وتشغيل الشعور بالخروج من الجسد كما نفعل مع مفتاح النور- بتحريض هذه المنطقة من الدماغ بشكل متكرر. وكما رأينا في الفصل التاسع، يمكن لقطع في الفص الصدغي المصاب بالصرع أن يحرض الشعور بأن هناك أرواحا شريرة وراء كل مصيبة، لذا ربما كانت فكرة الأرواح التي تغادر الجسد جزءا من تكويننا العصبي. (ربما يفسر هذا أيضا وجود مخلوقات خارقة للطبيعة. عندما حلل الدكتور بلانك امرأة في سن الثانية والعشرين كانت تعاني نوبات صرع مستعصية وجد أن تحريض المنطقة الصدغية الجدارية من الدماغ، يمكنه تحريض الشعور بوجود شبح خلفها. كان في إمكانها وصف هذا الشخص الذي قام حتى بإمساك ذراعيها بالتفصيل. كان موقعه يتغير مع كل ظهور، لكنه كان دوما يظهر خلفها).

الوعي البشري، كما أعتقد، هو عملية تكوين نموذج باستمرار للعالم من أجل تمثيل المستقبل وتنفيذ هدف. بالأخص، فالدماغ يتلقى الأحاسيس من العينين والأذن الداخلية لخلق نموذج حول المكان الموجودين فيه. لكن عندما تكون الإشارات من أعيننا وآذاننا متناقضة، نضطرب في تحديد مكاننا. كثيرا ما نشعر بدوخة ونقع أرضا. على سبيل المثال، يشعر الكثيرون بدوار البحر عندما يكونون على متن زورق يتأرجح لأن أعينهم وهي تنظر إلى جدران الغرفة تخبرهم بأنهم واقفون، لكن آذانهم الداخلية تخبرهم بأنهم يتأرجحون. يسبب عدم التطابق هذا بين هذه الإشارات الدوخة. الحل هو في النظر بعيدا إلى الأفق، بحيث تتطابق الصور المرئية مع الإشارات من الأذن الداخلية. (يمكن أن يحرض الشعور نفسه بالدوخة حتى لو كنت ثابتا. لو نظرت إلى سلة قمامة دوارة وعليها أشرطة عمودية لماعة، يبدو لك أن الأشرطة تتحرك أفقيا أمام عينيك، مما يعطيك الإحساس بأنك تتحرك. لكن أذنك الداخلية تقول لك بأنك ثابت. عدم التطابق الناتج يجعلك تتقيأ بعد عدة دقائق، حتى لو كنت تجلس على كرسي).

يمكن التدخل في الرسائل الصادرة من العينين والأذن الداخلية كهربائيا أيضا، عند الحد بين الفص الجداري والصدغي، وهو مصدر خبرات الوجود خارج الجسد. عندما تلامس تلك المنطقة الحساسة، يختلط الأمر بالنسبة إلى الدماغ حول موقعك في المكان. (من الجدير بالملاحظة أن نقص الدم أو الأكسجين أو زيادة ثاني أكسيد الكربون في الدم يمكنها أن تسبب أيضا خللا في المنطقة الصدغية الجدارية وتحرض خبرات الخروج من الجسد، وهذا يفسر انتشار هذه الأحاسيس خلال الحوادث وحالات الطوارئ ونوبات القلب... إلخ).

مصطلحات هامة

خلال العامين  1692و  ُ 1693، وفي عدد من مدن وقرى ماساتشوستس (من بينها قرية «سالم» )، أجريت سلسلة من المحاكمات التي انتهت إلى إعدام  20 شخصا بتهمة السحر (أغلبهم من النساء).



نحن قمنا بانشاء سلسلة من مقاطع ريلز القصيرة العلمية على قناتنا في يوتيوب، واتمنى الحصول على دعمكم ومساندتكم حتى نستمر في نشر هذا المحتوى النافع، رابط القناة من هنا تابعونا.